الثلاثاء، 10 ديسمبر 2013

اقوال ابن خلدون في علم التصوف




أول ما تجدر الإشارة إليه هو أن ما ميز قراءة ابن خلدون لعلم التصوف أنها نظرت في إشكاليته من جهة علاقته بعلوم أخرى تـشاطره أصوله وأهــدافه أو موضوعاته وأغراضه كعلم التوحيد و علم الكلام والفقه والأخلاق و من هنا تبدو قراءة صورة "علم التصوف" في الفكر الخلدوني مسألة دقيقة للغاية ذلك ان بحث منزلة التصوف بين سائر العلوم الشرعية من وجهة نظر بن خلدون على غاية من الاهمية فالتصوف قد أفرد بفصل كامل في المقدمة واستوجب الأمر بعد ذلك أن ألف ابن خلدون كتابا خاص هو "شفاء السائل لتهذيب المسائل"

من اقوال ابن خلدون في هذا العلم 

* ( هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة ;أصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريق الحق والهداية , وأصلها العكوفُ على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى , والإعراضُ عن زخرف الدنيا وزينتها , والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه , والانفرادُ عن الخلق في الخلوة للعبادة وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف , فلمَّا فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده , وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا , اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية فمن هذه النصوص، يتبين لنا أن التصوف ليس أمرا مستحدثا جديدا، ولكنه مأخوذ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وحياة أصحابه الكرام، فالصحابة والتابعون وإن لم يتسموا باسم المتصوفين، كانوا صوفيين فعلا، وإن لم يكونوا كذلك اسما) مقدمة ابن خلدون ص 328 .

(ثم لما درج الصحابة رضوان الله عليه، وجاء العصر التالي لعصرهم تلقى أهله هدي الصحابة مباشرة تلقينا وتعليما، وقيل لهم : التابعون، ثم قيل لأهل العصر الذي بعدهم أتباع التابعين. ثم اختلف الناس وتباينت المراتب، وفشا الميل عن الجادّة، والخروج عن الاستقامة، ونسي الناس أعمال القلوب وأغفلوها، وأقبل الجم الغفير على صلاح الأعمال البدنية، والعناية بالمراسم الدينية من غير التفات إلى الباطن ولا اهتمام بصلاحه، وشغل الفقهاء بما تعمّ به البلوى من أحكام المعاملات، والعبادات الظاهرة حسبما طالبهم بذلك منصب الفتيا، وهداية الجهور، فاختص أرباب القلوب باسم الزهاد والعباد وطلاب الآخرة، منقطعين إلى الله، قابضين على أديانهم... انفرد خواص السنة المحافظون على أعمال القلوب" المقتدون بالسلف الصالح في أعمالهم الباطنة والظاهرة وسمو بالمتصوفة) المقدمة، ص 357
تابع القراءة:

السبت، 24 أغسطس 2013

الإسلام دين الوسطية

الإسلام دين الوسطية

إعداد
عبد العزيز عبد الرحمن عودةالمحاضر في جامعة الأزهرغزة / فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم



مقدمة :
إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة .
الإسلام في أيامنا هذه أحوج ما يكون إلى من يحسن عرضه على الناس والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وجوهر ذلك الاعتدال في الخطاب والحرص على كسب العقول والقلوب ؛ وذلك لا يتأتى إلا بالابتعاد عن التطرف وعن تبني الآراء المسبقة لإرغام الناس على الأخذ بها ، يجب أن لانحصر الألوان في لونين فقط إما أبيض وإما أسود بل لابد أن نعترف أن هناك ألوانًا أخرى وكذلك لابد من وقف المحاولات التي يبذلها المتطرفون - الذين لا يرون العالم إلا من خلال مناظيرهم - لإقصاء من يخافهم الرأي أو الفهم ولو كان على ملتهم ودينهم، وحجتهم في ذلك نصوص مبتورة عزلوها عما سبقها ولحقها ، وتمترسوا وراءها فلم يعرفوا لها علة ولا مناسبة ، أو أقوال لمن سبقهم يتعصبون لها دون إدراك لملابساتها أو الظروف الموضوعية التي قيلت فيها وإنما هو تعصب وتقليد وإتباع أعمى .
وبدهي أننا نعني بالنصوص ، تلك النصوص الظنية التي تحتمل الاختلاف وتعدد الآراء والفهوم ، إن إبراز خصائص الإسلام وعلى رأسها الوسطية ، أمر في غاية الأهمية ونحن نرى أعداءه يرمونه بما ليس فيه من تطرف وإرهاب وإقصاء للآخرين وبث للكراهية والتعصب ، ومما يؤسف له أن نفرًا ممن ينتسبون لهذا الدين يساعدونهم في ذلك من خلال إساءتهم لتطبيق الإسلام تطبيقًا بعيدًا عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك يسيئون إلى هذا الدين من خلال عرضه عرضًا سيئًا كما أشرنا آنفًا .

إن الإسلام جاء ليرفع عن الناس الإصر والأغلال ، ويضمن لهم حياة طيبة ملؤها السعادة والاستقرار ، فكتابه الكريم يقول : " وما جعل عليكم في الدين من حرج " ، " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ، ونبيه صلوات الله وسلامه عليه هو الذي ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، وفقهاؤه العباقرة هم الذين استنبطوا القواعد الفقهية التي تضمن سعادة الناس واستقرارهم من خلال استقرائهم لنصوص الشريعة وأحكامها ، فقالوا : المشقة تجلب التيسير ولا ضرر ولا ضرار ، والضرورات تبيح المحظورات ، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة .... إلخ
أين هذا كله من منطق التشنج والتطرف واختيار الآراء المسبقة الذي يمارسه البعض فترتد آثاره سلبًا على الدين نفسه ؟!
وهذه ورقات كتبتها على عجل في وسطية الإسلام تلبية لدعوة وزارة الأوقاف والشئون الدينية ولست راضيًا عنها كل الرضى ، وعسى الأيام تسمح لنا بإعادة النظر فيها لتوفيتها حقها .
وهي في محورين وخاتمة ، تكلمنا في المحور الأول عن معنى الوسطية في الإسلام ومرتكزاتها في القرآن والسنة وفي المحور الثاني عن بعض مظاهر الوسطية في الإسلام جملة ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
المحور الأول :
1- معنى الوسطية في الإسلام :
حتى نعرف معنى الوسطية ينبغي أن نتذكر قول الشاعر المتطرف ( وبضدها تتميز الأشياء ):
ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
فهو لا يرى إلا أمرًا من أمرين ، إما أن يعيش فوق رؤوس الناس وإما أن يدفن ، ولا يرى أن هناك أمرًا ثالثًا بإمكانه أن يختاره ، وهو أن يعيش مساويًا للناس له ما لهم وعليه ما عليهم ، وللأسف هذا شأن كل متطرف في الدين أو السياسة أو في أي موقف آخر من مواقف الحياة .

وباستقراء نصوص الشريعة الإسلامية وأحكامها نجد أن من أبرز خصائصها : الوسطية ، التي تعني الموقف المعتدل بين طرفين ، فلا تميل إلى طرف دون آخر وإنما تقف الموقف الذي يقتضيه الميزان القسط ، ولا تسمح بطغيان طرف على آخر ، فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تقصير ، وإنما هو القسطاس المستقيم بين المادية والروحية والواقعية والمثالية والفردية والجماعية ، وكما قيل : الوسط فضيلة بين رذيلتين ، وسوف نرى مصداق ذلك فيما نعرض له من أمثلة في الشريعة الإسلامية ، وقد قيل أيضًا : خير الأمور أوسطها . ومما ينسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب " كرم الله وجهه " قوله : ( عليكم بالنمط الأوسط فإليه ينزل العالي وإليه يرتفع النازل ) ، وقوله : ( يهلك فيَّ رجلان ، محب غال ومبغض قال ) .
2- مرتكزات الوسطية في القرآن والسنة :
أ- في القرآن :
* في سورة الفاتحة التي يرددها المسلم في اليوم عشرات المرات في صلاته وغيرها ، قول الله تعالى : " إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " ، وبعد التأمل في قول الله تعالى السابق ، نجد أنه يوجهنا إلى أن ندعو ربنا أن يهدينا الصراط المستقيم ، لكن ما هو الصراط المستقيم ؟ إنه ذلك الطريق الوسط المعتدل بين طرفين أحدهما عرف الحق وتركه ، فهو مغضوب عليه " غير المغضوب عليهم " ، والآخر لم يهتد للحق أصلاً فهو ضال " ولا الضالين " .

* وقد جاء وصف الأمة في القرآن بالوسطية صريحًا في قوله تعالى : " وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا " ، وفي تعليقه على هذه الآية يقول الشهيد الأستاذ سيد قطب : إنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعًا فتقيم بينهم العدل والقسط وتضع لهم الموازين والقيم ........ وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد ، أو من الوسط بمعناه المادي الحسي ........ ( أمة وسطا ) في التصور في والاعتقاد لا تغلو في التجرد الروحي ولا في الارتكاس المادي . ( أمة وسطا ) في التفكير والشعور لا تجمد على ما علمت وتغلق منافذ التجربة والمعرفة ولا تتبع كذلك كل ناعق وتقلد تقليد القردة المضحك ( أمة وسطا) في التنظيم والتنسيق لا تدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر ولا تدعها كذلك للتشريع والتأديب ، إنما ترفع ضمائر البشر بالتوجيه والتهذيب وتكفل نظام المجتمع بالتشريع والتأديب ، ( أمة وسطا ) في الارتباطات والعلاقات لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته ولا تلاشي شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة ( أمة وسطا ) في المكان في صرة الأرض وفي أوسط بقاعها وما تزال هذه الأمة التي غمر أرضها الإسلام إلى هذه اللحظة هي الأمة التي تتوسط أقطار الأرض ، ( أمة وسطا ) في الزمان تنهي عهد طفولة البشرية من قبلها وتحرس عهد الرشد العقلي من بعدها وتقف في الوسط تنفض عن البشرية ما علق بها من أوهام وخرافات من عهد طفولتها وتصدها عن الفتنة بالعقل والهوى .
وواضح من كلام الأستاذ سيد قطب أنه يرى أن خاصية الوسطية من أبرز خصائص هذه الأمة التي أراد الله لها أن تكن شاهدًا على الناس أجمعين .

* قول الله تعالى : " يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسل الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " ، في هذه الآية ينهى الله أهل الكتاب عن مجاوزة الحد المعتدل في الدين والقول غير الحق في عيسى ابن مريم وهو ما أشار إليه بالغلو المذكور في الآية وفي ذلك إشارة جلية إلى أن الأمة الإسلامية هي الأمة الوسط والعدل التي التزمت الصراط المستقيم والنهج القويم في نظرتها للأنبياء عامة وفي عيسى ابن مريم خاصة وذلك عندما استجابت لأمر الله فيه أنه عبد الله ورسوله ، وفي تفسير الآية ، يقول العلامة " الطاهر بن عاشور " : ( والغلو في الدين أن يظهر المتدين ما يفوت الحد الذي حدد له الدين ، ونهاهم عن الغلو لأنه أصل لكثير من ضلالهم ، وتكذيبهم للرسل السابقين ، وغلو أهل الكتاب تجاوزهم الحد الذي طلبه دينهم منهم ، فاليهود طولبوا بإتباع التوراة ومحبة رسولهم فتجاوزوه إلى بغضة الرسل كعيسى ومحمد عليهما السلام ، والنصارى طولبوا بإتباع المسيح فتجاوزوا فيه الحد إلى دعوى إلهيته أو كونه ابن الله مع الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ) .
ب- السنة النبوية :
وعندما نستعرض سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم نجد فيها خاصية الوسطية واضحة جلية ، فانظر مثلاً :
* ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للنفر الذين آلوا على أنفسهم أن يصوموا فلا يفطروا ، وأن يقوموا فلا يناموا ، وألا ينكحوا النساء، إنه قال منكرًا عليهم تطرفهم : " أما إني أخشاكم لله ، وأتقاكم له ، ولكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " ، وفي هذا تأكيد على خط الاعتدال الذي هو سمة هذا الدين في مواجهة من أرادوا أ، يختاروا طرفًا واحدًا على حساب الطرف الآخر ، فردهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى حد الاعتدال وهو الوسط بين الطرفين .

* تأمل دعاء انبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ، واجعل الموت راحة لي من كل شر " .
إن هذا الدعاء يكشف عن توازن عجيب بين الدين والدنيا ، فهو لا يطلب الحياة الدنيا على حساب الآخرة ولا الآخرة على حساب الدنيا ونجد مصداق هذا في دعاء القرآن ، في قوله تعالى : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " ، فلا تطرف ولا إفراط ولا تفريط ، إنما هو وسطية واعتدال ، هذا ما يشعر به كل من يستبطن الآيات القرآنية ويطلع على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
* كذلك نجد قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى " ، يشبه المتشدد في العبادة بذلك المسافر الذي أرهق دابته من أمرها عسرًا ، وتجاوز حد الاعتدال في سوقها فكانت النتيجة أن نفقت دابته في الطريق ولم يصل إلى غايته ، وهذا شأن المتشدد في عبادته المتجاوز فيها حد الاعتدال فلا هو الذي أرضى ربه ، ولا هو الذي أبقى على نفسه ، شأن المنبت أي المنقطع في الطريق ، ولا يخفى ما في هذا التشبيه النبوي من دعوة إلى الوسطية والاعتدال .
* وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ، إنما أنا عبد الله ورسوله " ، أي لا تتطرفوا في مديحي والثناء علي فتتجاوزوا بي حدود البشرية ، " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد " ، ومن هذا الباب قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سمع من ينشد فيقول : وفينا نبي يعلم ما في غد ، فغضب ونهاه وقال : " قولوا في بما تعلمون إنما أنا عبد الله ورسوله .
هذه بعض مرتكزات وأصول الوسطية في الإسلام سقناها من القرآن والسنة ، وقد تجلت مظاهرها في العقيدة والشريعة والسلوك والأخلاق مما سنعرض له في المحور الثاني .
المحور الثاني

من مظاهر الوسطية في الإسلام
سنعرض في هذا المحور لبعض مظاهر الوسطية كما تتجلى في عقيدة الإسلام وشريعته والأخلاق التي دعا إليها .
أولاً : في العقيدة :
إن المتأمل لمنظومة العقائد الإسلامية يجد أنها وسط بين من يتبعون الخرافة والأسطورة مهملين العقل والدليل مصدقين بكل شيء يصل إليهم تقليدًا وإتباعًا أعمى ، وبين الماديين الذين ينكرون كل شيء وراء الحس ولا يأبهون أيضًا بنداء الفطرة والأشواق الروحية ، إن الإسلام يقيم عقائده على براهين مقنعة وأدلة ساطعة ، فمثلا .. يقول الله تعالى : " ومن يدع مع الله إله آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه " ، نجد في هذه الآية أن القرآن إمعانًا منه في التأكيد على أهمية الدليل والبرهان يطالب به على قضايا قد ثبت فسادها وبطلانها ، فمن المعلوم أنه لا برهان على وجود إله آخر مع الله إنما هي دعوى لا تستند إلى أساس ، ويرد القرآن الكريم في موضع آخر على الخرافيين الذين ادعوا أن الملائكة إناث ويطالبهم بالدليل على دعواهم فيقول تعالى : " وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون " ، وكذلك قول الله تعالى مفندًا مزاعم أهل الكتاب ومطالبًا إياهم بتقديم البرهان بين يدي ما يقولون ، " وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " ، ولقد ذُكر في كتب السنة أنه عندما توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم كسفت الشمس ، فظن بعض المسلمين أن لذلك علاقة بموت إبراهيم ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبى ذلك الفهم ونهى المسلمين عن مثل ذلك الاعتقاد وأمرهم بالصلاة عند الكسوف أو الخسوف ....

والإسلام وسط في عقيدته بين من لا يرون إلا هذا العالم المحسوس وينكرون ما وراءه من غيب ، وبين أولئك الذين يعتبرون أن هذا العالم وهم لا حقيقة له ، ويقيموا عقيدته على أن هذا العالم حقيقة إلا أن هناك حقيقة أكبر منه ، فهو يصل من الكون إلى المكوِّن ومن الخلق إلى الخالق ، وفي ذلك يقول القرآن : " هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه " ، ويقول أيضًا : " فتبارك الله أحسن الخالقين " .
والإسلام أيضًا وسط بين من يؤمنون بالعقل وحده مصدرًا للمعرفة ومن ينكرون قيمة العقل ويقولون بالإلهام أو الأوهام ، إذ أن الإسلام يقف موقفًا مميزًا في الربط بين العقل والوحي ، فهو يعتبر أن بينهما علاقة كعلاقة البصر بالنور ، فالبصر يغدو عديم الفائدة في غياب النور ، كما أن النور لا جدوى منه إذا سار في ضوء أشعته أعمى ، فالعقل بصر والوحي نور وهي كما نرى عقيدة وسط بين هؤلاء وأولئك .
ثانيًا : الشريعة :
ونجد كذلك أن الإسلام يعتمد الوسطية في تشريعه ، سواء أكان ذلك في العبادات المحضة أو في المعاملات ، وكل من اطلع على عبادات الإسلام ومعاملاته يرى أنه لا يحيد عن الموقف المعتدل ويرفض التطرف الذي يقتضي الميل إلى جانب على حساب آخر ، أخر الإمام مالك في موطئه أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنا وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلده فدعا له بصوط فأتي بصوط مكسور فقال فوق هذا فأتي بص
وط جديد لم تقطع ثمرته ، فقال : دون هذا ، فأتي بصوط قد رُكب به ولان ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد .
فانظر إلى ما لا يخفى من منهج النبي صلى الله عليه وسلم في مراعاة الوسطية حتى في اختيار الصوط الذي يجلد به الزاني ، لك أن تتخيل لو وقع هذا الزاني في يد متطرف أو متعصب ليقيم الحد عليه !!!! .

وقد أخرج الإمام مسلم عن معاذ أنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : " إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب ، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم " .
قال النووي شارح صحيح مسلم : وفيه أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم المال في أداء الزكاة، بل يأخذ الوسط ، ويحرم على رب المال إخراج شر المال . وهذه هي الوسطية التي هي الاعتدال .
وكان صلى الله عليه وسلم ، يأمر بالتوسط في القراءة في الصلاة الجهرية وهذا مصداق قول الله تعالى : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا" والسبيل هنا هو التوسط، الذي هو الوسطية والاعتدال ، واقرأ قول الله تعالى مؤكدًا على هذا المعنى " واذكر بك في نفسك تضرعًا وخفية ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين " .
وفي صحيح البخاري كان معاذ يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم بقومه ، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة ، فانصرف رجل ، فكأن معاذًا تناول منه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " فتان ، فتان ، فتان أو قال فاتنًا ، وأمره بسورتين من أوسط المفصل ، وفي ذلك أيضًا ما لا يخفى من الدعوة إلى التوسط والاعتدال في العبادة وقراءة القرآن .

وتحت عنوان باب ( أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام ) ، شرح الإمام النووي على صحيح مسلم ذكر أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني لأتأخر عن صلاة من أجل فلان مما يطيل بنا ، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ . فقال : " يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليوجز فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة" ، فإلى هذا الحد كان النبي يكره التطرف والتشدد الذي يميل إلى جانب دون آخر وكان صلى الله عليه وسلم يحب التوسط والاعتدال في كل شيء .
وكذلك نجد الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم يترجم بقوله : ( اعتدال أركان الصلاة وتخيفها في تمام ) .
ثالثًا : في الأخلاق والسلوك :
لقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم كله قائمًا على الاعتدال ، فقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد وهو يتحدث عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الكلام : ( وكان إذا تكلم ، تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد ليس بهذر مسرع لا يحفظ ، ولا متقطع تتخلله السكتات بين أفراد الكلام ، بل هديه فيه أكمل الهدي ، فعن عائشة أنها قالت : " ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد سردكم هذا " أي الكلام ، وإنما يتكلم بجوامع الكلم ، فصل لا فضول ولا تقصير .

وفي مجال آخر وهو هديه صلى الله عليه وسلم في مجال اللباس ، يذكر ابن القيم كلامًا لابن سيرين ثم يعلق عليه قائلاً : ( ومقصود ابن سيرين أن أقوامًا يرون أن لبس الصوف دائمًا أفضل من غيره ، فيتحرونه ويمنعون أنفسهم من غيره وكذلك يتحرون زيًا واحدًا من الملابس ويتحرون رسومًا وأوضاعًا وهيئات يرون الخروج عنها منكرًا وليس المنكر إلى التقيد بها ، والمحافظة عليها وترك الخروج عنها ) . أي التمترس في موقع واحد ، وذلك هو التطرف الذي يكرهه الإسلام ، ثم يقول ابن القيم : ( فالذين يمتنعون عما أباح الله من الملابس والمطاعم والمناكح تزهدًا وتعبدًا بإزائهم طائفة قابلوهم فلا يلبسون إلا أشرف الثياب ولا يأكلون إلا ألين الطعام ، فلا يرون لبس الخشن ولا أكله تكبرًا وتجبرًا ، وكلا الطائفتين هديها مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ) . ثم زاد ابن القيم بقوله : ( قال بعض السلف كانوا يكرهون الشهرتين من الثياب العالي والمنخفض ) .
وهذا كلام لا يحتاج إلى تعليق وهو يؤكد اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للوسطية والاعتدال في هديه كله حتى في ملبسه .
ثم يتكلم ابن القيم عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في نومه فيقول : ( وكان نومه أعدل النوم والأطباء يقولون هو ثلث الليل والنهار ثماني ساعات ) .

أما عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في مشيه فيقول ابن القيم : ( وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة وهي أعدل المشيات وأروحها للأعضاء وأبعدها من مشية الهرج والمهانة والتماوت ؛ فإن الماشي إما أن يتماوت في مشيه ويمشي قطعة واحدة كأنه خشبة محمولة وهي مشية مذمومة قبيحة وإما أن يمشي بانزعاج واضطراب مثل الجمل الأهوج وهي مشية مذمومة أيضًا دالة علىخفة عقل صاحبها ... وإما أن يمشي هونًا ، وهي مشية عباد الرحمن كما وصفهم بها في كتابه ، فقال : " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا " ، قال غير واحد من السلف بسكينة ووقار من غير تكبر ولا تماوت ...
وقد أطلنا النقل عن ابن القيم من كتابه زاد المعاد ؛ لاعتقادنا أنه من أهم الكتب التي تحدثت عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنا لننصح أعزاءنا القراء الدارسين بقراءته ودراسته .
ومن أوضح الأمثلة على وسطية الإسلام في السلوك والأخلاق دعوته المتكررة إلى التوسط والاعتدال في الإنفاق والتحذير من التطرف في الإسراف أو التقتير ، ومصداق ذلك في قول الله تعالى يصف عباده : " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما " ، والقوام هو الوسط .
ولو أن المسلمين استجابوا لهدي الله ورسوله فاعتمدوا الوسطية في أخلاقهم وسلوكهم وخطابهم لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا .
خاتمة :

من هذه العجالة السريعة مع آيات الله سبحانه وتعالى وهدي النبي صلى الله عليه وسلم يتأكد لنا ما ذكرناه من قبل أن الوسطية هي خاصية الإسلام البارزة وما زال في الحديث متسع للباحثين في هذا الموضوع المهم ، الذي تعتبر تجليته للناس من أجل ما يقدم للإسلام من خدمات في هذه السنوات العجاف التي تشن فيها أكبر هجمة على الإسلام والمسلمين .... إن الدفاع عن الإسلام والدعوة إليه في حاجة إلى رجال يملأ قلوبهم الإخلاص والصدق ويملأ عقولهم الوعي والعلم والمعرفة ، يعرضون الإسلام فيحسنون عرضه ويدافعون عنه فيعز جانبه وتعلو رايته ، وهم في كل ذلك يسيرون على خط الوسطية والاعتدال .....
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تابع القراءة:

الأربعاء، 7 أغسطس 2013

أحكام وآداب عيد الفطر



الجزائر: عبد الحكيم ڤماز



العيد يوم يحمل السُّرور والفرحَ مع ذِكر الله تعالى فيهِ، وفيه الاستمتاع بالمُباح لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يرى الأحباش يلعبون يوم العيد وعائشة تنظر من شقّ الباب إليهم وهُم يلعبون، ودخَل أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعنده جاريتان تغنيان بغناءِ (بعاث) وهذه معركة كانتْ بينَ الأوسِ والخزرجِ حصل بينهما قتال عظيم من الطائفتينِ، فكانتِ الجاريتانِ تغنيان بغناء هذه المعركة فزبرهما أبو بكر، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ”دعهما يا أبا بكرٍ فإنّ هذا يوم عيد”.

@ على المسلم أن يحرص على إخراج زكاة الفطر الّتي جعلها الله عزّ وجلّ طهرة للصّائم من اللّغو والرّفث قبل صلاة العيد.

وأمّا أحكام وآداب عيد الفِطر، فهي:

صلاة العيدين سُنّة مؤكّدة، ووقتها بارتفاع الشّمس عن الأفق قَيْد رُمحٍ، ويمتد وقتها للزّوال فلا تُصلّى بعده لفوات وقتها، وهي ركعتان يُكبّر المصلّي في الركعة الأولى ست تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام فيكون التّكبير سبعاً، ثمّ يُكبّر في الركعة الثانية خمساً غير تكبيرة القيام، ولا يرفع يديه إلاّ في تكبيرة الإحرام، ومحل التّكبير قبل القراءة.

يستحب التّكبير في ليلة العيد من غروب الشّمس آخر يوم من رمضان إلى حضور الإمام للصّلاة، روى ابن عمر رضي الله عنهما: ”كان يغدو إلى المُصلّى يوم الفطر إذا طلعت الشّمس فيُكبِّر حتّى يأتي المُصلّى ثمّ يكبّر بالمصلّى حتّى إذا جلس الإمام ترك التّكبير”. كما يُشرَع الإكثار من ذِكرِ الله، قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. وينبغي أن يرفع الإنسان صوته بهذا الذّكر في الأسواق والمساجد والبيوت، ولا ترفع النِّساء أصواتهن بذلك.

الاغتسال يوم العيدِ، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يستحب الاغتسال للعيدِ، وقد ذكرَ رفعَهَ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. التجمُّل والتزيّن يوم العيد، يلبس الرجل أحسن ثيابه، أمّا النّساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلّى العيد؛ لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”وليخرجن تَفِلات” أي في ثياب عادية ليست ثياب تبرج، ويحرم عليها أن تخرج متطيّبة متبرّجة.

الأكل والشرب قبل الخروج للعيد، ففي الحديث عن أنس رضي اللَّه عنه قال: ”كان النّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم لا يغدو يوم الفطر حتّى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً” رواه أحمد والبخاري.

إتيان مُصلَّى العيد ماشياً، ففي الحديث عن ابن عمر قال: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً” رواه ابن ماجه.

مخالفة الطريق في الذهاب والعودة، ففي الحديث عن جابر رضي اللَّه عنه قال: ”كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا كان يوم عيد خالف الطريق” رواه البخاري.

خروج جموع المسلمين للعيد حتّى النِّساء، روي عن أمّ عطية رضي اللَّه عنها أنّها قالت: ”أمرنا رسول الله صلّى اللَّه عليه وسلّم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحُيَّض وذوات الخدور فأمّا الحُيَّض فيعتزلن الصّلاة” وفي لفظ: ”المُصلّى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلتُ: يا رسول اللَّه إحدانا لا يكون لها جلباب قال: لتلبسها أختها من جلبابها” رواه الجماعة.

والسُنَّة لِمَن أتَى المُصلَّى ألاّ يُصلّي، ويجلِس يُكبِّر حتّى يخرُج الإمام، فعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ”خرج النّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم يوم عيد فصلّى ركعتين لم يُصل قبلهما ولا بعدهما” رواه الجماعة. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: ”أنّه خرج يوم عيد فلَم يُصل قبلها ولا بعدها وذكر أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فعله” رواه أحمد والترمذي وصحّحه.
تابع القراءة:

دار الإفتاء المصرية غدا الخميس أول أيام عيد الفطر المبارك




الاهرام الجديد الكندي: أعلنت دار الإفتاء المصرية، أن غدا الخميس الثامن من اغسطس هو أول أيام شهر شوال، وهو أول أيام عيد
 الفطر المبارك.
أسرة الأهرام الكندي تتقدم بخالص التهاني لكل المسلمين في مصر والعالم، ونتمني أن يعيد الله هذه الأيام بالخير علي بلدنا الحبيبة مصر 
وكل العالم، ونتمني أن يعود الأمن والأمان لمصرنا الحبيبة


.
تابع القراءة:

الثلاثاء، 30 يوليو 2013

ترجمة الإمام الشافعي


** توطئة :
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعيّ القرشي الهاشمي المكي (150 هـ - 204 هـ)، صاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلاميّ. ويُعَدّ مؤسّس علم أصول الفقه، وأول من وضع كتابًا لأصول الفقه سماه "الرسالة". كما ويعد مجدد الإسلام في القرن الثاني الهجري كما قال بذلك أحمد بن حنبل، كما ورد في الحديث الشريف: «لا تسبوا قريشاً فإن عالمها يملأ الأرض علماً» ، حيث قال أبو نعيم عبد الملك بن محمد الإسفراييني: لا ينطبق هذا إلا على محمد بن إدريس الشافعي

**نسبه وميلاده ونشأته:
هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع بن سائد بن عبد الله بن عبد يزيد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان القرشي المطّلبي الشافعي الحجازي المكّي. يلتقي في نسبه مع النبي محمد في عبد مناف بن قصي.

وأما نسبه من جهة والدته، ففيه قولان، أما الأول فأن اسمها فاطمة بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كما جزم به سليمان الجمل.

ولد سنة 150 هـ (وهي السنة التي توفّي فيها أبو حنيفة) في حيّ اليمن في غزة، وقيل في عسقلان. مات أبوه وهو صغير فحملته أمه إلى مكة وهو ابن سنتين لئلا يضيع نسبه، فنشأ بها فنشأ بمكة وقرأ القرآن وهو ابن سبع سنين وأقبل على الرمي حتى فاق فيه الأقران وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة، ثم أقبل على العربية والشرع فبرع في ذلك وتقدم، ثم حبب إليه الفقه، فحفظ الموطأ وهو ابن عشر، وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة، يقول عن نفسه: «كنت أنا في الكتاب أسمع المعلّم يلقن الصبي الآية فأحفظها أنا، ولقد كان الصبيان يكتبون ما يُملى عليهم فإلى أن يفرغ المعلّم من الإملاء عليهم قد حفظت جميع ما أملى، فقال لي ذات يوم: ما يحل لي أن آخذ منك شيئًا
كان الشافعي في ابتداء أمره يطلب الشعر وأيام العرب والأدب، ولزم قبيلة هذيل في البادية يتعلم كلامها ويأخذ طبعها، وكانت أفصح العرب، فبقي فيهم سبع عشرة سنة يرحل برحيلهم وينزل بنزولهم ويحفظ أشعارهم حتى قال الأصمعي عنه: «صحّحتُ أشعار هُذيل على فتى من قريش يقال له محمد بن إدريس»، فلما رجع إلى مكة جعل الشافعي ينشد الأشعار ويذكر الآداب والأخبار وأيام العرب، فمرّ به رجل من بني عثمان من الزبيريين فقال: «يا أبا عبد الله، عزّ عليّ أن لا يكون مع هذه اللغة وهذه الفصاحة والذكاء فقه، فتكون قد سدت أهل زمانك»، فتأثر الشافعي بكلامه وعزم على التوجه لتعلم الفقه فقرأ على ابن عيينة، ثم جالس مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة (والذي أخذ عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما، عن جماعة من الصحابة، منهم: عمرو بن علي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وغيرهم)، فأخذ عنه الفقه، حتى أذن له بالإفتاء وهو في سن العشرين. كما وقرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين، عن شبل، عن ابن كثير، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله. يقول الشافعي عن نفسه: «أقمت في بطون العرب عشرين سنة أخذ أشعارها ولغاتها، وحفظت القرآن فما علمت أنه مرّ بي حرف إلا وقد علمت المعنى فيه والمراد


** أخذه العلم عن الإمام مالك:
اشتهر اسم مالك بن أنس في زمن الشافعي وتناقل الناس كتابه الموطأ، فأراد الشافعي أن يرحل إلى المدينة المنورة للأخذ عن مالك العلم، فكان أول ما فعله هو حفظ الموطأ، فحفظه في تسع ليالٍ، ثم قصد بعدها المدينة المنورة وعمره يومئذ اثنتي عشرة سنة وقيل: عشرين ، فقدم على مالك ومعه توصية من والي مكة إليه، فلما لقيه قال له مالك: «يا محمد، اتق الله واجتنب المعاصي فإنه سيكون لك شأن»، ثم قرأ عليه الموطأ، فأعجب به وبقراءته فلازمه الشافعي حتى وفاة مالك سنة 179 هـ. قال عنه الشافعي: "إذا ذُكر العلماء فمالك النجم، وما أحد أمنّ عليّ من مالك بن أنس. مالك بن أنس معلمي وعنه أخذت العلم". وفي الوقت نفسه أخذ عن إبراهيم بن سعد الأنصاري ، ومحمد بن سعيد بن أبي فديك وغيرهم


** هجراته إلى الأمصار وتكون المذهب:
بعد وفاة مالك بن أنس عاد الشافعي إلى مكة، وصادف قدوم والي اليمن إلى مكة، فطلب من الشافعي أن يذهب معه للعمل في نجران في اليمن، فذهب معه وأصبح والي نجران، فحكم فيهم بالعدل، فوجد معارضة من الناس حتى وشوا به ظلمًا إلى الخليفة هارون الرشيد أنه يريد الخلافة، فأرسل في استدعائه سنة 184 هـ، لكنه لما حضر بين يدي الخليفة في بغداد أحسن الدفاع عن نفسه بلسان عربي مبين، وبحجة ناصعة قوية؛ فأعجب به الخليفة، وأطلق سراحه، فبقي الشافعي في بغداد، والتقى بمحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة فاستفاد منه وأخذ عنه العلم حتى قال: «حملت عن محمد بن الحسن وَقر بعير، ليس فيه إلا سماعي منه». وقد بقي في ضيافة محمد بن الحسن مدة من الزمن نحو سنتين عاد بعدها إلى مكة. انتقل بعدها الشافعي إلى بغداد وقدمها للمرة الثانية سنة 195 هـ حاملاً كتبًا حاويةً للمناهج والفروع التي استنبطها، فاجتمع به جماعة من العلماء منهم: أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والحسين بن علي الكرابيسي، والحارث بن شريح البقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، والزعفراني، وغيرهم. وأخذ يملي هذه الكتب على تلاميذه، فدوّنوا "الرسالة" و"الأمّ"، وقد كتبها تلميذه الزعفراني. وبقي ينشر العلم مدة سنتين، حتى شاع ذكره فسمي بـ "ناصر الحديث". عاد بعدها إلى مكة، ثم رجع إلى بغداد للمرة الثالثة سنة 198 هـ مكث فيها عدة أشهر

بعد ذلك خرج الشافعي إلى مصر سنة 199 هـ وحينما خرج من العراق قاصدًا مصر قالوا له: أتذهب مصر وتتركنا فقال لهم: هناك الممات. وحينما دخل مصر أقام في الفسطاط واشتغل في طلب العلم وتدريسه، وفي تلك المدة غيّر الشافعي الكثير من اجتهاداته وأملى من جديدٍ كتبه على تلاميذه في الفسطاط مجدِّدًا لآرائه، وقد خالف بعضها وأقرّ أكثرها. وكان رَاويته لهذه الكتب الجديدة هو ربيعة بن سليمان المرادي. وصار للشافعي بهذا نوعان من الكتب؛ أحدهما: كتبه التي بالعراق، وهي القديمة، والأخرى بمصر وهي الجديدة. ولهذا قال بعضهم: إنّ له مذهبين: أحدهما قديم، والآخر جديد


** إجتهاده في نشر العلم:
حدث الربيع بن سليمان قال: «كان الشافعي يجلس في حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا، وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار، ثم ينصرف، رضي الله عنه». وحدث محمد بن عبد الحكم قال: «ما رأيت مثل الشافعي، كان أصحاب الحديث يجيئون إليه ويعرضون عليه غوامض علم الحديث، وكان يوقفهم على أسرار لم يقفوا عليها فيقومون وهم متعجبون منه، وأصحاب الفقه الموافقون والمخالفون لايقومون إلا وهم مذعنون له، وأصحاب الأدب يعرضون عليه الشعر فيبين لهم معانيه».


** مصنفاته:
1- كتاب الأم.
2- الرسالة في أصول الفقه، وهي أول كتاب صنف في علم أصول الفقه. وله مؤلفات أخرى منها، اختلاف الحديث، ومسند في الحديث، سمي بـ "مسند الشافعي" وأحكام القرآن والناسخ والمنسوخ، وكتاب القسامة، وكتاب الجزية، وقتال أهل البغي، وسبيل النجاة، كما له ديوان شعر طبع كثيرا.


** تلاميذه: وهم كثر، نذكر منهم الأبرز والأشهر: فمن تلاميذه في الحجاز:

• محمد بن إدريس
• إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع المطلبي
• موسى بن أبي الجارود المكي المشهور بأبي الوليد
• أبو بكر الحميدي

ومن تلاميذه في العراق:
• أحمد بن حنبل
• إبراهيم بن خالد الكلبي أبو ثور
• أبوعلي الحسين بن على بن يزيد الكرابيسي
• محمد بن الحسن بن الصباح ال زعفراني أبوعلي
• أبوعبدالرحمن احمد بن محمد بن يحيى الأشعري البصري

ومن تلاميذه في مصر:
• أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي
• إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني
• الربيع المرادي.
• الربيع بن سليمان الجيزي
• يونس بن عبد الأعلى الصدفي
• حرملة بن يحيى بن حرملة التجيبي
• محمد بن عبد الله بن عبد الحكم


** صفاته وتقريظ أهل العلم له:
كان الشافعي مشهوراً بتواضعه، كما كان عابدا يقسم الليل ثلاثة أجزاء: ثلثا للعلم، وثلثاً للعبادة. وثلثاً للنوم. قال الربيع: كان الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في الصلاة. وقال الحسن الكرابيسي: بت مع الشافعي غير ليلة فكان يصلي نحواً من ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر فمائة آية، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه ولجميع المسلمين والمؤمنين، ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ فيها وسأل النجاة لنفسه وللمؤمنين، وكأنما جمع له الرجاء والخوف معاً.

قال أحمد بن يحيى بن الوزير: خرج الشافعي يوماً من سوق القناديل فتبعناه فإذا رجل يسفه على رجل من أهل العلم، فالتفت الشافعي إلينا وقال: نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به، فإن المستمع شريك القائل، وإن السفيه لينظر إلى أخبث شيء في إنائه فيحرص أن يفرغه في أوعيتكم ولو ردت كلمة السفيه لسعد رادها كما شقي بها قائلها.

قال الحميدي: خرج الشافعي إلى اليمن مع بعض الولاة فانصرف إلى مكة بعشرة آلاف درهم فضرب له خباء في موضع خارجاً عن مكة فكان الناس يأتونه، فما برح من موضعه ذلك حتى فرقها كلها. وخرج من الحمام مرة فأعطى الحمامي مالاً كثيراً. وسقط سوطه من يده مرة فرفعه إنسان إليه فأعطاه جزاء عليه خمسين ديناراً.
ويدل على قوة زهده وشدة خوفه من الله تعالى واشتغال همته بالآخرة ما روي أنه روى سفيان بن عيينة حديثاً في الرقائق فغشي على الشافعي فقيل له: قد مات، فقال: إن مات فقد مات أفضل زمانه.

وروى عبد الله بن محمد البلوي قال: كنت أنا وعمر بن نباتة جلوساً نتذاكر العباد والزهاد فقال لي عمر: ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا وكان الحارث تلميذ الصالح المري فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت، فقرأ هذه الآية عليه " هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون " فرأيت الشافعي وقد تغير لونه واقشعر جلده واضطرب اضطراباً شديداً وخر مغشياً عليه فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكاذبين وإعراض الغافلين، اللهم لك خضعت قلوب العارفين وذلت لك رقاب المشتاقين، إلهي هب لي جودك وجللني بسترك واعف عن تقصيري بكرم وجهك.

وحدث محمد بن عبد الله المصري قال : كان الشافعي أسخى الناس بما يجد. قال عمرو بن سواد السرجي : كان الشافعي أسخى الناس عن الدنيا والدرهم والطعام، فقال لي الشافعي: أفلست في عمري ثلاث إفلاسات، فكنت أبيع قليلي وكثيري، حتى حلي ابنتي وزوجتي ولم أرهن قط. قال الربيع: كان الشافعي إذا سأله إنسان يحمرّ وجهه حياء من السائل، ويبادر بإعطائه.


** وفاته:
قبل وفاة الشافعي ظهر فيه مرض البواسير وهو في مصر، وبسبب هذا المرض ما انقطع عنه النزيف، وربما ركب فسال الدم من عقبيه، وكان لا يبرح الطست تحته وفيه لبدة محشوه، وما لقي أحد من السقم مالقي، فالنزيف أنهكه وأعنته. وقد ترك الشافعي في مدة مرضه هذه (أربع سنوات) ما يملأ آلاف الورق من العلم، مع وصلة الدروس والأبحاث والمناظرات والمطالعات في الليل والنهار. قال الربيع بن سليمان: أقال الشافعي ها هنا أربع سنين، فأملى ألفا وخمسمائة ورقة، وخرج كتاب "الأم" ألفي ورقة وكتاب "السنين" وأشياء كثيرة، كلها في أربع سنين.
توفّي الشافعي وقت صلاة العشاء ليلة الجمعة بعد أن صلى المغرب، ودفن بعد العصر يوم الجمعة 30 رجب سنة 204 هـ، وقبره في مصر. ولما أخذ إلى مثواه الأخير، حمل على الأعناق من القاهرة في مصر حتى مقبرة بني زهرة. يقول النووي عن قبره:"وقبره بمصر عليه من الجلال، وله من الاحترام ما هو لائق بمنصب ذلك الإمام". وقد أمر صلاح الدين الأيوبي بعمل تابوت خشبي لقبر الشافعي مزخرف مؤرخ عليه سنة 574 هـ كما وقد بُني على قبره قبة جددّها الناصر صل
تابع القراءة:

محمد متولي الشعراوي .. المفسر الموهوب



تجمعت القلوب حوله، وأحاطته بمشاعر الحب والتقدير، فتراهم يرقبون ظهوره على شاشات الرائي، أو خلف أجهزة المذياع، ليستمعوا إلى تفسيره لآيات الذكر الحكيم، ويستمتعوا بما يجود الله به عليه من خواطر قرآنية.. إنه الشيخ محمد متولي الشعراوي.

الشيخ الشعراوي .. سيرته وشخصيته
ولد الشيخ الشعراوي في الخامس عشر من شهر ربيع الثاني عام 1329هـ/ 1911م، في قرية دقادوس، التابعة لمحافظة الدقهلية، في جمهورية مصر العربية. وحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره، وعندما بلغ الخامسة عشرة كان قد أتم تجويده.

تابع دراسته الابتدائية والثانوية في المعاهد الأزهرية في محافظة الزقازيق، وتخرج في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام 1359هـ/ 1941م، وحصل على شهادة (العالمية) مع إجازة التدريس عام 1361هـ/ 1943م.

وفي عام 1396هـ/ 1976م مُنح وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، بمناسبة بلوغه سن التقاعد، وتفرغه لشئون الدعوة الإسلامية.

وحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1408هـ/ 1988م، كما حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة في عام 1410هـ/ 1990م. وحصل على جائزة إمارة دبي لشخصية عام 1418هـ/ 1998م.

مواقف الشيخ الشعراوي
تمتع الشيخ الشعراوي بطبيعة ثائرة، لا ترضى الضيم، ولا تسكت على هوان، وتثور على كل من لم يُلْقِ لأمر الدين بالاً.

ومن مواقفه المشهودة والمشهورة بهذا الصدد، أنه عندما كان طالبًا في معهد الزقازيق رَأَسَ اتحاد الطلاب. ولما تفجرت ثورة الأزهر عام 1352هـ/ 1934م مطالبة بإعادة الشيخ المراغي بعد عزله من رئاسة الأزهر، خرج الشيخ في مُقدِّمة المطالبين بإعادة الشيخ المراغي إلى منصبه، وألقى أبياتًا من الشعر، اعتُبرت حينئذ ماسَّة بمنصب (الملكية)، فقُبض عليه، وأودع السجن.

الوظائف التي شغلها الشيخ الشعراوي
بعد أن أنهى الشيخ الشعراوي دراسته الجامعية، عمل مدرسًا في العديد من المعاهد الدينية في مصر، ثم أعير إلى المملكة العربية السعودية، للتدريس في كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز آل سعود بمكة المكرمة.

ولما انتهت فترة إعارو الشيخ الشعراوي للملكة العربية السعودية عاد إلى مصر، وعُيّن وكيلاً لمعهد طنطا الديني، ثم مديرًا لإدارة الدعوة بوزارة الأوقاف. كما عُيّن مفتشًا للعلوم العربية بجامعة الأزهر الشريف، وعُين مديرًا لمكتب شيخ الأزهر حسن مأمون.

في عام 1394هـ/ 1975م عُيِّن الشيخ الشعراوي مديرًا عامًّا لمكتب وزير شئون الأزهر، وعُين بعد ذلك وكيلاً لوزارة شئون الأزهر للشؤون الثقافية، وعُين وزيرًا للأوقاف وشئون الأزهر في وزارة السيد ممدوح سالم، وخرج من الوزارة في 1398هـ/ 1978م.

وعُين بعد ذلك بمجمع البحوث الإسلامية عام 1400هـ/ 1980م، ثم بعد ذلك تفرغ لشأن الدعوة، ورفض جميع المناصب السياسية أو التنفيذية التي عُرضت عليه.

الشيخ الشعراوي .. المفسر الموهوب
انخرط الشيخ الشعراوي في محاولة لتفسير القرآن، وأوقف حياته على هذه المهمة؛ ولأنه ضليع في اللغة العربية كان اقتراب اللغوي من التفسير آية من آيات الله.

أول مزية للشيخ الشعراوي نلمحها في منهجه التفسيري، أن تفسير القرآن على لسانه يبدو جديدًا فريدًا. أما المزية الثانية، فهي أن الشيخ الشعراوي -رحمه الله- رُزق موهبة نقل الأفكار بأبسط الكلمات، وأرشق الأساليب، وقلما اجتمع هذا لأحد ممن توجهوا لتفسير القرآن مباشرة.

وقد أحسّ كل من تابع تفسير الشيخ للقرآن عبر وسائل الأعلام، أو في المجالس المخصصة لذلك، بأن الله يفتح عليه وهو يتحدث، ويلهمه معاني وأفكارًا جديدة. فكان تفسير الشيخ الشعراوي للقرآن جديدًا ومعاصرًا، يفهمه العوام، ويلبي حاجات الخواص، وكانت موهبته في الشرح لآيات القرآن، وبيان معانيه قادرة على نقل أعمق الأفكار، بأسلوب سلس مشوق جذاب، يكاد يأخذ بلباب العقول، ويدخل القلوب بغير استئذان.

وقد وصف الشيخ الشعراوي جهده الذي بذله في تفسير القرآن بأنه "فضل جود، لا بذل جهود".

ومما قاله بهذا الصدد: "فهذا حصاد عمري العلمي، وحصيلة جهادي الاجتهادي، شرفي فيه أني عشت كتاب الله، وتطامنت لاستقبال فيض الله، ولعلِّي أكون قد وفيت حق إيماني، وأديت واجب عرفاني، وأسأل الله سبحانه أن تكون خواطري مفتاح خواطر من يأتي بعدي".

واللافت للانتباه، أن الشيخ الشعراوي لم يعتبر جهده الذي بذله في توضيح وبيان آيات القرآن الكريم تفسيرًا له، بل -بحسب رأي الشعراوي نفسه- جملة خواطر ليس إلاّ، يقول في بيان هذا المعنى: "خواطري حول القرآن لا تعني تفسيرًا للقرآن، وإنما هي هبات صفائية، تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات، ولو كان القرآن من الممكن أن يفسر لكان الرسول صلى الله عليه وسلم أَوْلى الناس بتفسيره".

وشيء آخر يستوقف المتابع لتفسير الشيخ الشعراوي وهو تعريفه للقرآن الكريم، حيث إن للشيخ تعريفًا للقرآن، يغاير بعض الشيء التعريف المشهور للعلماء، فهو يعرّف القرآن بأنه: "ابتداء من قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}[الفاتحة: 1]، إلى أن نصل إلى قوله: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 6]، على أن نستعين بالله من الشيطان الرجيم، قبل أن نقرأ أي آية من القرآن".

وعلى الجملة، فقد وُفِّق الشيخ الشعراوي في تعامله مع النص القرآني شرحًا وتبيانًا ما لم يوفق الكثير إليه، ونفع الله به خلقًا كثيرًا.

الشيخ الشعراوي .. جهوده العلمية
ترك الشيخ الشعراوي للمكتبة الإسلامية -غير خواطره التفسيرية- العديد من المؤلفات القيِّمة، التي تعتبر زادًا للمسلم في خضم هذه الحياة. من تلك المؤلفات نذكر التالي: (الإسراء والمعراج)، و(الإسلام والفكر المعاصر)، و(الإسلام والمرأة عقيدة ومنهج)، و(الشورى والتشريع الإسلامي)، و(الطريق إلى الله)، و(المرأة كما أرادها الله)، و(معجزة القرآن)، و(من فيض القرآن)، و(المنتخب من تفسير القرآن)، وغير ذلك من المؤلفات المكتوبة كثير.

وللشيخ -غير المؤلفات المكتوبة- تسجيلات مسموعة ومرئية، يأتي في مقدمتها (خواطر الشعراوي)، وهي خواطر محورها الأساس أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله، إضافةً إلى تسجيلات صوتية موضوعها (قصص الأنبياء) عليهم السلام، وقبل هذا وذاك تسجيلات حول (خواطره القرآنية).

ومما ينبغي أن يشار إليه هنا، أن التفسير المطبوع للشيخ الشعراوي، لم يضعه هو نفسه، وإنما جمعته بعض دور النشر من تسجيلاته الصوتية، وقام بعض علماء الأزهر بمراجعته وتخريج أحاديثه.

الشيخ الشعراوي .. جهوده الدعوية
لم يكن الشيخ الشعراوي مجرد مفسر للقرآن الكريم فحسب، بل نشط أيضًا في مجال الدعوة إلى الله، وأبلى في هذا الجانب بلاء حسنًا، وشد الرحال داعيًا إلى الله على بصيرة، وكان خير سفير للإسلام في كل مكان وطأته قدماه.

ومن الدول التي قصدها الشيخ داعيًا إلى الله العديد من الدول الأوربية، وأمريكا، واليابان، وتركيا، وأغلب الدول الإسلامية، حيث دعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبلّغ رسالة الإسلام خير بلاغ، واستمر على ذلك حتى أتاه اليقين، فكان -بحق- من خير الدعاة إلى الله في هذا العصر.

قالوا عن الشيخ الشعراوي
لقد قيل عن الشيخ الشعراوي في أثناء حياته وبعد مماته الكثير الكثير، نقتبس غيضًا من فيض:

فالأستاذ أحمد بهجت، يصف الشيخ الشعراوي، بأنه "كان واحدًا من أعظم الدعاة إلى الإسلام في العصر الذي نعيش فيه... والمَلَكة غير العادية التي جعلته يُطلِع جمهوره على أسرار جديدة وكثيرة في القرآن. وكان ثمرة لثقافته البلاغية التي جعلته يدرك من أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم ما لم يدركه الكثيرون. وكان له حضور في أسلوب الدعوة، يُشرك فيه جمهوره، ويوقظ فيه ملكات التلقي".

أما الدكتور محمد عمارة فيقول: "الشعراوي قدَّم لدينه ولأمته الإسلامية والإنسانية كلها أعمالاً طيبة، تجعله قدوة لغيره في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة".

وقال الشيخ سيد طنطاوي: "كان له أثر كبير في نشر الوعي الإسلامي الصحيح، وبصمات واضحة في تفسير القرآن بأسلوب فريد، جذب إليه الناس من مختلف المستويات الثقافية".

وقال الشيخ القرضاوي: "لا شك أن وفاة الإمام الراحل -طيب الذكر- الشعراوي تمثل خسارة فادحة للفكر الإسلامي، والدعوة الإسلامية، والعالم الإسلامي بأسره. فقد كان رحمه الله رمزًا عظيمًا من رموز ذلك كله، وخاصة في معرفته الشاملة للإسلام، وعلمه المتعمق، وصفاء روحه، وشفافية نفسه، واعتباره قدوة تحتذى في مجال العلم والفكر والدعوة الإسلامية".

وفاة الشيخ الشعراوي
بعد جهاد كبير في مجال التفسير، والدعوة إلى الله، ألقى الشيخ الشعراوي عصا التسيار، وفارق الدنيا في التاسع عشر من شهر ذي الحجة عام 1418هـ، الموافق السابع عشر من يونيه عام 1998م.

وقد تركت وفاته أثرًا عميقًا في نفوس المسلمين كافَّة، وصدى كبيرًا في أقطار الإسلام عامَّة، وخسرت الأمة بوفاته عَلَمًا من أعلامها، وداعية من دعاتها.

المصدر: موقع إسلام ويب.






موضوعات ذات صلة: 
تابع القراءة:

الخميس، 18 يوليو 2013

نظمها رابطة الخريجين.. "عمارة" و"الأزهري" يحاضران بمنحة "خريج المستقبل"



تستكمل الرابطة العالمية لخريجي الأزهر دورتها التدريبية المقدمة كمنحة مجانية للطلبة والخريجين التي نظمتها تحت عنوان "خريج المستقبل" والتي قد بدأت في الفترة من 25 يونيو الماضي وتستمر حتى 22 يوليو الجاري بمقر الرابطة. 
صرح بذلك د. محمد عبدالفضيل القوصي عضو هيئة كبار العلماء - نائب رئيس مجلس إدارة الرابطة، مضيفاً أن المنحة تتناول كيفية إعداد فكري للأزهريين ليكونوا قادرين على معرفة وقراءة التيارات الفكرية المعاصرة، و تدريبيهم على اقتناص فرص العمل من خلال المواقع الاليكترونية، وكيفية إدارة وتطوير الذات، وإدارة الوقت، كتابة السيرة الذاتية واجتياز مقابلة العمل، وإدارة الموارد البشرية، وكيفية العمل تحت ضغط، بالإضافة إلى اكتسابهم لمهارات القيادة الشخصية.
يحاضر بهذه الدورة نخبة من الأساتذة: أ.د. محمد عماره المفكر الإسلامي ورئيس تحرير مجلة الأزهر، د. أسامه الأزهري المشرف العام على مكتب رسالة الأزهر، أ.د. لواحظ عبد المنعم أستاذ العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية بنات القاهرة، والمدربين المعتمدين بالتنمية البشرية والإستشارات الإدارية: كمال محمد المدير التنفيذي بشركة كومينكير، احسان الحق محمد الحنفي رئيس شركة ابداع للتنمية البشرية والإدارية، والمدربين كريم سماره، محمد سامي.
تابع القراءة:

البنات يتفوقن على البنين في امتحانات الثانوية الأزهرية



اعتمد اليوم فضيلة الشيخ/ عبد التواب قطب، وكيل الأزهر نتيجة امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية بقسميها العلمي والأدبي، وقد 
كانت نسبة النجاح العامة 55.2% . وكانت نسبة النجاح للبنين علمي 63.2% وللفتيات علمي 68.3% وللبنين أدبي 43.7% وللفتيات أدبي 58.7%. 
وكانت نسبة النجاح للمكفوفين 37.3%. 
أما بالنسبة لطلاب شعبة العلوم الإسلامية فقد كانت نسبة النجاح 93.03% ، وتفاوتت من محافظة لأخرى ، بينما كانت النسبة في محافظات أسوان والأقصر والإسكندرية وبور سعيد 100%، كانت في الشرقية 96.7% وفي شمال القاهرة 93.75% وفي قنا 93.33% وفي الدقهلية 92.59% وفي بني سويف 84.62% وفي أسيوط 65%. 
جدير بالذكر أن نسبة النجاح في امتحانات الشهادة الإعدادية بلغت 45.2%. 
وللاطلاع علي نتائج الشهادة الإعدادية الأزهرية علي الرابط:
http://www.alazhar-alsharif.gov.eg/Natiga#tabs-2 
وللشهادة الثانوية بقسميها (الأدبي والعلمي):
http://www.alazhar-alsharif.gov.eg/Natiga#tabs-3 
وللبعوث الإسلامية (إعدادية وثانوية):
http://www.alazhar-alsharif.gov.eg/Natiga#tabs-4 
ولجميع شهادات القراءات (التجويد والتخصص والعالية):
http://www.alazhar-alsharif.gov.eg/Natiga#tabs-
تابع القراءة:

الأربعاء، 8 مايو 2013

شيخ الأزهر يقطع زيارته للإمارات لمتابعة تسمم طلاب المدينة الجامعية


الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر

قرر الإمام الأكبر الدكتور احمد الطيب، شيخ الأزهر، قطع زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة والعودة صباح غد، الثلاثاء، على طائرة خاصة للوقوف على أحداث تسمم عدد من طلبة المدينة الجامعية.

كما أمر بفتح تحقيق فورى تحت إشرافه مباشرة للوقوف على حقيقة الأمر، بعد ما تردد أن السبب فى ذلك يرجع إلى معلبات التونة، والتى كان قد اعترض عليها الطلاب من قبل، وتم تغييرها بناء على طلبهم وبعد موافقتهم.

وجدير بالذكر أن شيخ الأزهر فى زيارة للإمارات لتسلم جائزة الشيخ زايد الثقافية.

تابع القراءة:

الأربعاء، 1 مايو 2013

الفوضى الإعلامية والسياسية في بلدان الربيع العربي


مقدم الحلقة: عبد القادر عياض
ضيفا الحلقة:
إبراهيم حمامي/ مدير مركز الشؤون الفلسطينية- لندن
محمد أبو حامد/ رئيس حزب حياة المصريين
تاريخ الحلقة: 23/4/2013



عبد القادر عياض: السلام عليكم وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج الاتجاه المعاكس والتي أعوض فيها زميلي فيصل القاسم، ألم تتحول بلدان الربيع العربي من الثورة الخلاقة إلى الفوضى الخلاقة؟ أليس ما يجري في مصر وتونس وغيرهما من فوضى سياسية وإعلامية وشعبية يدفع إلى الفوضى والانهيار؟ أهي ثورة مضادة يقودها الفلول والليبراليون واليساريون والقوميون المزعومون كما يقال؟ أليست الحكومات الجديدة مطالبة بتوفير الأمن وإعادة الاستقرار للشارع بكل ما أتيت من قوة؟ أليس الهجوم السياسي والإعلامي انقلاباً على الثورة والديمقراطية؟ ألا تقوض وسائل الإعلام في مصر وتونس وغيرهما حرباً شرسة ضد الحكومات المنتخبة وتشجع على العنف والفوضى؟ أليس من الإجحاف أن يُشتم رئيس منتخب بألفاظ نابية وعندما تتدخل الدولة قانونياً تتهم بأنها تريد الهيمنة على الإعلام وخنق حرية التعبير؟ لكن في المقابل، أليس الحراك الشعبي والإعلامي في دول الربيع العربي حراكاً صحياً وثمرةً من ثمار الديمقراطية؟ ألا يتعامل الحكام الجدد بعقلية السلف الساقط في محاصرة الإعلاميين وتكفيرهم والتحريض على قتلهم؟ وهل من الإنصاف اتهام الحراك بأنه مدفوع من قوة خارجية ويستجيب لجهات تمويل وأعوان الأنظمة السابقة وجهات خارجية مشبوهة؟ ألم تصعّد واشنطن من انتقادها لمصر بسبب تزايد القيود على حرية التعبير؟ أسئلة نطرحها على الهواء مباشرة على مدير مركز الشؤون الفلسطينية في لندن إبراهيم حمامي وعلى رئيس حزب حياة المصريين محمد أبو حامد، نبدأ النقاش بعد الفاصل.
تابع القراءة:

الأربعاء، 17 أبريل 2013

متى يتوقف النظام السوري عن تخويف السوريين والعالم بالبعبع الإسلامي كي يبقى في السلطة؟


في برنامج الاتجاه المعاكس اليوم 10:05: متى يتوقف النظام السوري عن تخويف السوريين والعالم بالبعبع الإسلامي كي يبقى في السلطة؟


تابع القراءة: