في
الديمقراطيات العريقة وحتي الناشئة، الحزب الذي يفشل في الحصول علي ثقة
الناخبين، تقدم قياداته استقالتها فورا. حدث ذلك مع قيادات تاريخية مثل
مارجريت تاتشر زعيمة حزب المحافظين ورئيسة وزراء بريطانيا لاكثر من 17
عاما والمعروفة بالمرأة الحديدية. بمجرد ان فشل حزبها في آخر انتخابات
خلال الثمانينيات، استقالت فورا، وهو ما تكرر ايضا مع توني بلير،
زعيم حزب العمال ورئيس وزراء بريطانيا الاسبق. وبمجرد الاستقالة يبدأ
البحث والاستقصاء عن اسباب الخلل والفشل الذي دفع الناس الي الانصراف
بأصواتهم عن هذا الحزب او ذاك، في بعض الاحيان يكون السبب شيخوخة قيادات
الحزب فيتم علي الفور تجديد الدماء واختيارات قيادات شابة، قادرة علي
التفاعل مع جماهير الناخبين. وفي كثير من الاحيان، تكون سياسات الحزب
التي فشلت في تحقيق مطالب الجماهير هي السبب.
ولأننا
في سنة اولي ديمقراطية، ولم ننعم بها ولو جزئيا علي مدي ستة عقود، منذ
ثورة يوليو وحتي ثورة يناير. نجد ممارسات غريبة صدرت من العديد من
الاحزاب والنخبة السياسية، بعد فشل الكثير من رموز الاثنين في الانتخابات
سواء البرلمانية (شعب وشوري) أو الرئاسية بجولتيها، جعلتهم ابعد ما
يكونون عن الديمقراطية التي أشبعونا كلاما عنها قبل الانتخابات، فإذا بهم
ينقلبون عليها حين لم تأت بمن تشتهي أنفسهم الي مقاعد البرلمان وقصر
الرئاسة، وبدلا من إعمال الذهن للاستقصاء عن اسباب الفشل وعدم القدرة علي
حشد الجماهير للتصويت لتلك الاحزاب لتجنب الهزيمة مرة اخري، خاصة ونحن
علي ابواب انتخابات جديدة، اذا بالكثير من تلك الاحزاب والقوي
السياسية ، تنفق الجهد والمال علي مدي شهر كامل وحتي أمس في الاعداد
لمظاهرات لإسقاط رئيس الجمهورية وجماعته. وغالت بعض الحركات وعدد غير
قليل من المتهورين بالمطالبة بحرق مقار حزب الحرية والعدالة وجماعة الاخوان
المسلمين.
كان امام تلك القوي طريق اسهل
وايسر واكثر ديمقراطية لإسقاط الاخوان المسلمين وغيرهم، وهو الاستعداد
للانتخابات البرلمانية المتوقع لها ان تجري بعد شهرين، والانشغال بالنزول
الي الشارع والالتحام مع الجماهير ومحاولة حل بعض مشاكلها اليسيرة
كالنظافة مثلا،او العسيرة كقطع الطرق واعتراض السكك الحديدية، فلم ار
سياسيا او حزبيا او ناشطا سعي سعيه وتدخل لإقناع بعض المحتجين بفتح طريق
اعترضوه، لانه يعلم وهم يعلمون انهم بهذا الفعل يؤذون ابناء وطنهم قبل
ان يؤذوا النظام .كان من الممكن لبعض تلك الاحزاب ان تنتظر بضعة أيام
بعد حملة حزب الحرية والعدالة من اجل"وطن نظيف" لتقوم بحملتها الخاصة
لتنظيف شوارع دوائرها الانتخابية، حتي لا ينسب الفضل لحزب الحرية
والعدالة وحده. هناك الكثير والكثير كان من الممكن للقوي السياسية
المختلفة ان تستعد به لاسقاط الاخوان المسلمين عبر صناديق الانتخاب ولكن
بعد اقناع الناس بالدليل العملي انهم يقفون الي جوارهم، يناصرونهم
ويحاولون ان يخففوا ولو جزءاً من معاناتهم، فإذا جاءت الانتخابات،
لا يمكن للناس ان ينسوا من وقف بجانبهم وقت الضيق وسيجدونهم سباقين الي
مقار الاقتراع لتأييدهم.
توقعت من تلك
الاحزاب ان تقتفي اثر حكمة ابن خلدون الشهيرة ان المهزوم دائما يميل الي
تقليد المنتصر، واعتقدت ان كثيرين سيسعون الي تقليد حزب الحرية والعدالة
وجماعة الاخوان المسلمين في الكثير من المشروعات التطوعية التي يقومون بها
خدمة للبسطاء، سواء في رمضان او غير رمضان، كوسيلة لاستمرار التواصل
بين الجماعة والحزب وجماهير الناس بصرف النظر عن احتمالات اجراء انتخابات
من عدمها، فالمواطن المصري من اذكي الناخبين ويميز تماما بين من يتقرب
منه في مواسم الانتخابات فقط، ومن يقف بجواره، في افراحه واتراحه طوال
العام.
ومع ذلك لم يتغير بعد سلوك بعض
الاحزاب والقوي السياسية، اكتفت بالحل السهل بعد كل انتخابات وهو التهجم
علي الفائزين ولعنهم وسبهم، وهو ما لن يغير من النتائج شيئا، لم تقتف
تلك الاحزاب اثر نظرائها في الدول الديمقراطية بدراسة مواضع الخلل الذي ادي
الي انصراف الناس عنها، والبدء في وضع خطط عاجلة واخري بعيدة المدي
لمواجهة تلك السلبيات حتي يمكنها خوض الانتخابات التالية بقوة وكثافة في
معظم الدوائر.
المليونيات قد تصنع حضورا
اعلاميا لافتا، الا انها لا تجلب صوتا ولا تحشد ناخبين امام مقار
الاقتراع، لان الناخبين يريدون من يقف بجوارهم او قريبا منهم، في
شوارعهم وحواريهم وقراهم وكفورهم ونجوعهم، لا من يتواجدون فقط في ميدان
التحرير بالقاهرة او امام مسجد القائد ابراهيم بالاسكندرية او ميدان الغريب
بالسويس، حقيقة ان حشد الملايين بهذه الميادين، كان العنصر الاساسي
الضاغط لنجاح الثورة، لكننا انتقلنا من الشرعية الثورية الي الشرعية
الدستورية والبرلمانية، ولهاتين المرحلتين متطلباتهما، وعلي القوي
السياسية ان تدرك ذلك حتي لا تداهمها الانتخابات البرلمانية القادمة وهي
لاهية عنها بالمليونيات، لتعود مع الفضائيات في سب المنتصرين، وهذا
السب لن يغير من نتائج الصندوق شيئا.عودوا الي دوائركم واستعدوا
للانتخابات، ذلك خير وابقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق