حيات الرسول - خطبت الجمعة

الحمد
لله الذي بعث النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكموا
بين الناس بالحق المبين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله
الأولين والآخرين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل المرسلين وخاتم النبيين
بعثه الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله رحمة للعالمين
وغدوة للعاملين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين وسلم تسليماً كثيرا
فيا
أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به على عباده حيث أرسل
إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب لنشر الحق بين الخلق فإن العقل البشري لا
يمكن أن يهتدي إلى معرفة الخالق تفصيلا ولا يمكن أن يتعبد لله بما لا يدركه
علما و تحصيلا ولا يمكنه أن يعامل عباد الله تعالى بالعدل التام إلا بطريق
الوحي الذي بين الله به الذي بين الله به عن نفسه أسماء وصفاة وأحكاما
يهتدي بها العباد إلى عبادته ويهتدون بها إلى طريق المعاملة بينهم فكانت
الرسل عليهم الصلاة والسلام مبينين لعبادة الخلاق داعين إلى مكارم الأخلاق
وكانت حاجة الخلق إلى ما جاءوا به أشد من حاجتهم إلى الهواء واللباس والأمن
و الطعام والشراب وكانت منة الله على عباده بإرسال الرسل أعظم منة ألم
تقرءوا قول الله عز وجل : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ
بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا
مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164) أيها الناس إذا أردتم أن
تعرفوا ضرورة الناس إلى الرسالة الإلهية فانظروا الآن إلى أهوائهم تجدوها
تجدونها متفرقة شتى كل واحد له هدف كل واحد له غاية لو ترك الناس وغاياتهم
لتفرقوا شيعا ولم يجتمعوا على شيء ولحصل القتال بينهم والتباغض ولكن
الرسل عليهم الصلاة والسلام نزلوا بشريعة الله من عند الله وهو سبحانه
الذى يعلم ما يصلح به العباد فأنزل على كل أمة شريعة تليق بها ولم تزل
الرسالة في الناس منذ بعث الله أول رسول إليهم وهو نوح إلى أن ختمت بآخرهم
محمد صلى الله عليه وسلم كان الناس في الأول قبل بعثة الرسل على دين واحد
على ملة واحدة على دين أبيهم آدم فلما كثر الناس تفرقت كلمتهم وأختلفت
أرائهم فبعث الله إليهم رسله ليحكموا بينهم فيما أختلفوا فيه وليقوم الناس
بالقسط قال الله عز وجل : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ
اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا
فِيهِ) (البقرة:213) فكان أولهم نوح عليه الصلاة و السلام ثم ختم الله
الرسالة والنبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله على حين فترة من
الرسل حين انقطعت الرسالة منذ عهد عيسى عليه الصلاة والسلام فمقت الله
أهل الأرض عجمهم وعربهم إلا بقايا من أهل الكتاب فكان الناس في أمس الضرورة
إلى الرسالة التي تستقيم بها الملة وتتم بها الأخلاق وتصلح بها الأمة
فكان صاحبها الجدير بها والله أعلم حيث يجعل رسالته محمد بن عبد الله بن
عبد المطلب محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي؛ القرشي صلوات الله
وسلامه عليه أنشأه الله تعالى من سلالة إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة
والسلام فكان أكرم الناس نسباً وأطيبهم مولداً ولد صلى الله عليه وسلم
يوم الاثنين في أفضل بقاع الأرض في أم القرى مكة في شهر ربيع الأول قيل في
الثامن منه وقيل في التاسع وقيل في العاشر وقيل في الثاني عشر وقيل في
السابع عشر وقيل في الثامن في الثاني والعشرين فهذه ستة أقوال للمؤرخين في
تعيين اليوم الذي ولد فيه وإنما كان هذا الاختلاف في مولده لأنه ليس للعرب
حينذاك ديوان تسجل فيه الأحداث وقد حقق بعض الفلكيين المتأخرين أن ولادته
صلى الله عليه وسلم كانت في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول على خلاف ما
هو مشهور بين الناس من أنها في اليوم الثاني عشر ونحن لا يهمنا لا يهمنا أن
نعرف متى ولد ولا أن نعرف عين ذلك اليوم الذي ولد فيه من الشهر لأن يوم
ولادته ليس له خصائص شرعية يتعبد الناس بها حتى يحتاجوا لمعرفة ذلك اليوم
على التعيين ولهذا لم يكن الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعون لهم بإحسان
ولا أئمة المسلمين من بعدهم يقيمون احتفالاً لمولد رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأنهم يعلمون أن ذلك ليس من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا
يجوز لأحد أن يحدث في دين الله ما ليس منه وأن أشد الناس محبة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم أشدهم اتباعا له فكلما كان الإنسان اتبع لرسول الله صلى
الله عليه وسلم فهو أشد حباً له ألم تروا إلى قول الله عز وجل : (قُلْ
إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)
فكلما كان الإنسان أبعد عن البدع في دين الله كان ذلك أدل على محبته لله
ورسوله وعلى تعظيمه لله ورسوله وقد قال الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ
تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات:1-2) فإذا كان
لا يجوز للمؤمن أن يتقدم بين يدي الله ورسول ولا أن يجهر لرسول الله صلى
الله عليه وسلم كجهر بعضنا لبعض و لا أن يرفع صوته فوق صوت رسول الله صلى
الله عليه وسلم فكيف يجوز للإنسان إن يدخل في دين الله ما لم يأذن به الله
هذا من أبعد الأشياء ولد صلى الله عليه وسلم في العام الذي أهلك الله فيه
أصحاب الفيل أصحاب الفيل الذين جاءوا لهدم الكعبة المعظمة فأرسل الله عليهم
طيرا أبابيل ( وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ*تَرْمِيهِمْ
بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ*فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (الفيل:3-5)
فكان في هذا إرهاصا لبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدته أمه آمنة من
أبيه عبد الله بن عبد المطلب فتوفي أبوه قبل ولادته وتوفيت أمه في الأبواء
في طريق المدينة وهو في السابعة من عمره فكفله جده عبد المطلب ثم مات عبد
المطلب ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الثامنة من عمره فنشأ رسول الله
صلى الله عليه وسلم يتيما فريدا ليس له أم ولا أب ولا جد قال الله عز وجل :
(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى) (الضحى:6) فقيض الله له عمه أبا طالب
شقيق أبيه فضمه إلى عياله وأحسن كفالته وأحبه حبا شديدا وبارك الله له بسبب
كفالته النبي صلى الله عليه وسلم في ماله وحاله قال ابن كثير رحمه الله
وشب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي طالب يكلئه الله ويحفظه ويحوطه من
أمور الجاهلية ومعايبها لما يريد من كرامته حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه
مروءة وأحسنهم خلقا وأكرمهم مخالطة وأحسنهم جوارا وأعظمهم حلما وأمانة
وأصدقهم حديثا وأبعدهم من الفحش والأذى ما رؤى صلى الله عليه وسلم ملاحيا
ولا مرائيا أحدا حتى أن قومه سموه الأمين لما جمع الله فيه من الأمور
الصالحة ولما بلغ صلى الله عليه وسلم الخامسة والعشرين من عمره تزوج أم
المؤمنين خديجة رضي الله عنها وكانت ذات شرف ومال وعقل وكمال حازمة لبيبة
لما علمت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمت من مكارم الأخلاق عرضت
نفسها عليه فذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأعمامه فخرج معه عمه حمزة
إلى خويلد بن أسد والد خديجة فخطبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الخامسة والعشرين من عمره ولها
أربعون سنة وقد تزوجت قبله برجلين فولدت له ابنين وأربع بنات فكان أولاده
كلهم منها إلا إبراهيم فإنه كان من سريته ماريا ولم يتزوج صلى الله عليه
وسلم على خديجة حتى ماتت في السنة العاشرة من البعثة قبل الهجرة بثلاثة
سنين وكان صلى الله عليه وسلم معظما في قومه محترما بينهم يحضر معهم مهمات
الأمور حضر معهم حلف الفضول الذي تعاقدت فيه قريش ألا يجدوا في مكة مظلوما
من أهلها أو غيره إلا كانوا معه على من ظلمه حتى يرد إليه مظلمته ولما
تنازعت قريش أيهم يضع الحجر الأسود في مكانه حين بنوا الكعبة بعد تهدمها
قيض الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان الحكم بينهم فبسط ردائه
ووضع الحجر فيه ثم قال لأربعة من رؤساء قريش ليأخذ كل واحد منكم بجانب من
هذا الرداء فحملوه حتى إذا دنوا من موضعه أخذه النبي صلى الله عليه وسلم
بيده الكريمة فوضعه في مكانه فكان بهذا الحكم العادل شرف كبير ونبأ عظيم
ولما بلغ الأربعين من عمره جاءه الوحي من الله عز وجل فكان أول ما بدء به
من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤية إلا جاء ت مثل فلق الصبح ثم حبب
إليه الانفراد عن ذلك المجتمع الجاهلي في عقيدته وعبادته فكان صلى الله
عليه وسلم يخلو بغار حراء وهو الجبل الذي عن يمين الداخل إلى مكة من طريق
الطائف الشرائع فيتعبد فيه حتى نزل عليه الوحي هنالك فجاءه جبريل فقال
أقرأ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ يعني لا أحسن القراءة
وفي الثالثة قال له جبريل : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *
خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي
عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:1-5)
فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهله يرجف فؤاده لما رأى من الأمر الذي
لم يكن معهوداً له من قبل فقال لخديجة لقد خشيت على نفسي فقالت له رضي الله
عنها كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب
المعدوم وتعين على نوائب الحق وبنزول هذه الآيات الكريمة صار محمد بن عبد
الله نبيا ثم فتر الوحي مدة ثم أنزل الله عليه (يَا أَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنْذِرْ*وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيَابَكَ
فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر:1-5) وبذلك صار محمد نبياً
رسولاً فدعى إلى الله تعالى وبشر وأنذر خصوصا ثم عموما انذر عشيرته
الأقربين ثم بقية الناس أجمعين فاستجاب له من هداه الله واستكبر عن دعوته
من اتبع هواه قال عز وجل : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ
اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (لأعراف:158) اللهم
أنا نسألك في مقامنا هذا ونحن في انتظار فريضة من فرائضك نسألك اللهم
بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا يا ذا الجلال والإكرام أن تجعلنا من المؤمنين
بك وبرسولك وأن ترزقنا اتباعه على الوجه الذي يرضيك عنا وأن تثبتنا بالقول
الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة اللهم أحسن عاقبتنا في الامور كلها
اللهم أحسن خاتمتنا في هذه الدنيا اللهم أجعل أحسن حال أن نلقاك وأنت راض
عنا يا رب العالمين إنك جواد كريم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .





ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق