السبت، 10 نوفمبر 2012

الأدب الإسلامي في ديوان "الإلوري"

الأدب الإسلامي في ديوان "الإلوري"


اسم المؤلف: الأستاذ الدكتور عبد الباقي شعيب أغاكا
(أستاذ البلاغة والنقد والأدب الإسلامي-جامعة عثمان بن فودي-صوكوتو نيجيريا)
الناشر: دار النهار للطبع والنشر والتوزيع- القاهرة جمهورية مصر العربية
عدد الصفحات: 256 من القطع الكبير
الطبعة: الأولى


تنبع أهمية هذا الكتاب من أنه يُعدّ من أوائل الأعمال العلمية التى تتسم بالريادة والسبق في مجاله ومحيطه الجغرافي، والتى تصدر عن شاعرية المفكر والكاتب النيجيري الأفريقي المسلم الشهير الداعية الشيخ آدم عبد الله الإلوري رحمه الله، كما أنه يأتي ليؤكد ويبرز دور وجهود العلماء والمفكرين الأفارقة في مجال الإسهام في الحركة العلمية الجادة نحو أسلمة المعارف والعلوم خاصة في مجال الأدب، والذي عُنيت به رابطة الأدب الإسلامي العالمية التي ينتمي إليها المؤلف.
كما أنه بهذا الكتاب فتح المؤلف من جديد باب التواصل الفكري والثقافي مع علمائنا وأساتذتنا من خلال التعامل المباشر مع إنتاجاتهم العلمية والفكرية وبروح عصرية وعقل مستنير للوصول بها إلى صورة متكاملة الجوانب والأبعاد.
أسباب وعوامل كثيرة كانت وراء وضع هذا الكتاب، وفي مقدمتها كما يقول المؤلف"إيقاظ همم الشباب وطلبة العلم للتعرف والاتجاه صوب التراث الأدبي النيجيري المكتوب بالعربية، وكذلك العمل على إبراز الهويّة الإسلامية لهذا التراث والتأكيد عليها من جهة، ومن جهة أخرى إبراز قدرته على مواكبة الحضارة الإنسانية على ضوء التصور الإسلامي أسوة بهذه النماذج الرائعة من تراث المفكرين والأدباء النيجيريين، علاوة على تلك الأسباب إبراز شاعرية هذا المفكر الإسلامي نظراً لكون الجانب الشعري في شخصيته مجهولاً لدى الكثيرين.

يحتوى الكتاب أربعة أبواب رئيسة، وعدداً من الفصول والمباحث وخاتمة، تناول المؤلف في الباب الأول ترجمة موسعة عن الأديب والمفكرالنيجيري الراحل الشيخ آدم عبد الله الإلوري صاحب الديوان المدروس، تعرض لمولده ونشأته وحياته العلمية، وكما تناول في هذا السياق العوامل والعناصر الأساسية والمساعدة التي أسهمت في تكوين شخصيته بدءاً من العامل البيئي والعامل العرقي القبائلي، والعامل النفسي والثقافي.
وتناول في الباب الثاني مفهوم الأدب الإسلامي وقضاياه المعاصرة، مثل المنهجية ومفهومها والمنهجية في ضوء الواقع، وأعطى المؤلف عناية خاصة بعرض تفصيلي لمسيرة فكرة الأدب الإسلامي في نيجيريا والمجتمعات الأفريقية المختلفة، وكرس المؤلف اهتمامه خلال صفحات الباب الثالث من الكتاب لدراسة القضايا الرئيسة التي تمثل المحكّات الأساسية لجوهر هذا الفكر في ديوان الإلوري، مثل قضية الالتزام، والذي يعني "السلوك المنظم الذي يعتقده الأديب ويتوخاه منهجاً مستقيماً لعرض قضاياه الأدبية"، واعتنى المؤلف أيضاً عناية خاصة بدراسة تشعّبات الالتزام ودرجاته التي سجّلت حضوراً ملموساً في ذلك الديوان المدروس.
وخصّص المؤلف الباب الرابع والأخير لدراسة وإبراز نماذج من القيم والأخلاق التى احتوتها قصائد الديوان، مثل قيمة مناصرة الفضائل ومقاومة الرذائل، كما وقف وقفة متأنية مع قيمةغرس و إيقاظ العاطفة والشعور الدينيّين لدى المتلقي، ثم أعقب ذلك بخاتمة يؤكد فيها مدى تجذّر التصور الإسلامي في فكر الإلوري من خلال ديوانه، وأثبت له الريادة والسبق في محاولات التقعيد. وجهود التنظير والتأصيل لهذا الاتجاه في تاريخ الأدب النيجيري في العصر الحديث لنيجيريا.

وقد تعرض المؤلف للعديد من القضايا والأفكار ذات القيمة العلمية والمعرفية من ناحية، وقضايا ذات طابع جدلي خلافي من ناحية أخرى، من بينها اقتناعه بقدم وجود هذا النوع من الاتجاه وأصالته في تصور العلماء والشعراء المسلمين في نيجيريا حتى قبل تكوّن منظمة أو رابطة لها في البلاد العربية، إذ دافع عن ذلك بقوة معتبراً أن الأدب الإسلامي في نيجيريا ينبغي أن يؤرّخ له بدخول الإسلام وإشراق شمسه على تلك البلاد، "لأن الأدب الإسلامي طاقة عقلية وفنية متميزة مفعمة بالمشاعر الإسلامية المجيدة نشأت وأشرق نورها على نيجيريا، وبدأ هذا الاتجاه يتعاظم دوره وبذوره بتطور المجتمع النيجيري والأفريقي، ومع تطور الوعي والالتزام الدينيّين" ويرى أن معظم التراث الأدبي للعلماء المسلمين في نيجيريا والبلاد الأفريقية المسلمة يندرج تحت الأدب الإسلامي "لأنه أدب رُوعيت عند صياغته في غالب موضوعاته وأشكاله روح الإسلام؛ لذلك تبقى هذه سمة بارزة مميزة لمعظم إنتاجات الفنون الأدبية لأدبائنا شعراً أو نثراً بل ظلت موطناً يناضلون في سبيله".

كما اعتبر المؤلف أن نهج الأدب الإسلامي عبر تاريخه الطويل في نيجيريا والبلاد الأفريقية والإسلامية الأخرى فرض على نفسه وعاءً محدداً التزم به، ويكاد لا ينفك عنه بل ظل إحدى مواطن نضاله عبر مسيرته، وهو الوعاء اللغوي المتمثل في العربية " فقد تمسك أدباؤنا بالعربية لساناً خالصاً لفنونهم يستحيل استبدال غيره به، وظلّوا يولون اللغة العربية الفصيحة جُلّ اهتمامهم، ويتخيرونها على العُجمة والركاكة، وثبت أن قوة إيمانهم بالعربية جعلتهم يشترطون البيان على أنفسهم عند إبداعهم ركناً هاماً لا يبغون به بديلاً، ولذا فإن جهادهم في سبيل الأدب الإسلامي لا ينحصر في الدفاع عن أفكاره وقضاياه ومعانيه فقط، بل كانوا يناضلون في سبيل ألفاظه وتراكيبه وصوره إلى أن أضحى ميداناً جليلاً يتسابقون إليه ويتحمسون فيه" كما حرص المؤلف في غير موضع خلال صفحات هذا الكتاب على ما يمثله الأدب الإسلامي، والالتزام بمنهجه لدى العلماء في نيجيريا ونظرائهم في مختلف البلاد الأفريقية من نموذج ومثل عليا يحتذونها ويتمثلونها في سلوكهم وتصورهم من جهة، ويحرصون على الإعراب عن تلك القيم والنماذج عند التعبير البياني الإبداعي، وفي ذلك يقول: "كان إيمان علمائنا الرصين بمنهج الله في سمو العقيدة السمحة والشريعة الغراء، قد ألهمهم أن يتلمسوا طرق التصور الإسلامي في إبداعاتهم الأدبية والفكرية؛ لأن غايتهم القصوى تتوقف على بناء مجتمع فاضل قائم على أسس العدالة الاجتماعية والرحمة الشاملة والفضيلة، وكل ما يؤدي إلى تحقيق المقاصد الشرعية".
كما أبرز المؤلف أهم مظاهر الموضوعات في الأدب الإسلامي في الإبداعات الوطنية النيجيرية، والتي لا تكاد تخرج عن ثلاث شعب او مجالات رئيسة هي: الحب الإلهي، ومجال مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) ثم مجال إبراز المشاعر الإنسانية.
وخصص المؤلف فصولاً ومباحث لدراسة جذور الأدب الإسلامي في فكر الإلوري، ويرى أن أعماله الفكرية وإنتاجاته العلمية تزخر بالعديد من الشواهد والبراهين على إيمانه العميق واقتناعه البالغ بفكرة الأدب الإسلامي والدعوة إليها والعمل على توسيع دائرته لأنه- الإلوري- يقول في إحدى مؤلفاته: "إنني أرى في التراث كثيراً عن تلك الآثار الخاصة بهذه البلاد ما يدلّ على النضوج الفكري في الأدب الإسلامي".
ويرى المؤلف أن الإلوري رغم عدم مشاركته بالظهور في العديد من المحافل والمنتديات الأدبية من المؤتمرات والندوات واللقاءات التى أسهمت في التنظير الفكري للأدب الإسلامي، والتي ضمت لفيفاً من فحول الأدباء والمفكرين الإسلاميين إلا أن ملامح هذا الاتجاه قد تقوت وتجلت في إنتاجاته الفكرية والأدبية "وإذا كان الإلوري لم يشهد مراحل تطور ونشأة رابطة الأدب الإسلامي فقد كانت له صلات قوية بأعلامها ورجالاتها، ومنهم المرحوم الشيخ أبو الحسن الندوي، حيث انعقدت بينهما أواصر علمية ودينية خلال مؤتمرات عديدة، وتوثّقت بينهما وحدة المواقف والاتجاهات والآراء وغيره من أعلام الأدباء ذوي التوجه الإسلامي الواضح أمثال الشاعر الإسلامي الكبير بهاء الدين الأميري"، وتناول المؤلف بإسهاب واستفاضة مراحل تطور الاتجاه الإسلامي في فكر الشيخ آدم عبد الله الإلوري، وفي أعماله الأدبية على وجه أخص، ويمثل الاتجاه التاريخي المرحلة الأولى لهذا التطور والتي يرى المؤلف أن الإلوري أبرز فيها دور الإسلام وإسهاماته في الرفع من شأن الإنسان الأفريقي الأسود كسابقة في تاريخ الانسانية كلها، وتمثل المرحلة الثانية الاتجاه التربوي الذي عمد خلال هذه المرحلة إلى تكوين قاعدة عريضة من الشباب والأتباع المناصرين والمؤيدين لهذا التوجه، من المؤمنين بضرورة أن يكون التعبير الفني والإبداعات الأدبية والفكرية منطلقة عن التصور الإسلامي، وكان الاتجاه الإعلامي والعمل على الترويج لهذا التوجه هو المرحلة الثالثة لأطوار الاتجاه الإسلامي في إنتاجاته الفكرية والإبداعيّة0ومن القضايا ذات الأهمية الكبيرة والتي وقف عندها المؤلف طويلاً وتثير جدلاً ونقاشاً كبيرين، هي ما يُثار من تساؤلات حول مدى ما يمثله الديوان من أهمية أدبية ومدى ما يحتوي عليه من قيم فنية إبداعية حقيقية؟ إضافة إلى ما يراه البعض من أن بعض قصائده أو جلها أقرب إلى شعر الوعظ والدعوة والمنظومات الخاصة للحفظ والتعليم من كونها قصائد شعرية ذات قيمة فنية وأدبية إبداعية، ورد المؤلف على تلك الانتقادات بأنه على الرغم من ذلك فإن قلة مادة الديوان لا تحول دون مهمة إجراء دراسة علمية عليها، ولا ينبغي أن تثبط عزائمنا، طالما كانت تلك القصائد وافية بالغرض المنشود ومستوفية لشروط الإقدام والشروع في الدراسة، و توفرت فيها الأساسيات، فقد نقلت إليها تلك القصائد تجارب صاحبها واضحة جلية معبرة ومحشوة بالرموز والمعاني والدلالات في أساليب بيانية مختلفة، يراعي فيها المقامات والأحوال والظروف والملابسات، ويرجع بعضها إلى مراحل العمر والمستوى الادراكي العلمي، وبعضها الآخر إلى واقع الغرض الذي يسوق فيه الن.
ويبقى لنا أن نحيّي المؤلف الأستاذ الدكتور عبد الباقي شعيب أغاكا على هذا الجهد العلمي الرصين،الذي بلور لنا بوضوح وبدلائل وشواهد من النصوص الشعرية المدروسة إسهامات هذا العالم النيجيري الجليل؛ إذ قدم لنا رؤية علمية بانورامية للشعر الإلوري من خلال تقديمه لتفسيرات ودوافع نفسية واجتماعية وثقافية ودينية لما تخمّر في ثنايا النصوص الشعرية المعالجة، والكل مدعو من خلال هذا العرض الموجز- لا سيما أهل الفكر والاختصاص- إلى بذل مزيد من الجهود للاطلاع عليه والتفاعل الإيجابي معه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق