مصر التي رأيت اليوم تختلف كثيرًا عن مصر
الأمس، فصورة الرئيس السابق تم نزعها من مجلس الوزراء والشعب والشورى،
ووضعوا مكانها لفظ الجلالة "الله جل جلاله"، وصدق قول الشاعر لبيد بن أبي
ربيعة:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل *** وكل نعيـم لا محالـة زائـل
مصر
الأمس كان نعيم الزواج بين المال والسلطة يختص بها فئة قليلة مقربة نسبًا
ونسقًا مع مؤسسة الرئاسة ومن حولها، واليوم حدث طلاق بائن بينونة كبرى بين
المال والسلطة، وبدأت مصر
التي خلعت السلطة بعد زواج تم اغتصابًا وتزويرًا ثلاثين عامًا، مارس فيها
الزوج المتسلط كل صنوف الظلم والقهر، فخرج أهل الزوجة المسكينة "مصر" تطالب
بحقوق أمهم المسلوبة.
المصريون اليوم يتنفسون عبير الحرية الحقيقية التي حرموا منها عقودًا طويلة بالأمس، ولم تمنح لهم بل انتزعوها بدمائهم وصدورهم وصمودهم، ومصر اليوم تغمرها أفراح وتهاني في كل شبر من أرضها، بينما عاشت مصر الأمس أتراحًا وأحزانًا من الإذلال والإهانة والظلم والطغيان.
مصر
اليوم فيها إعلام يتحدث الناس فيه بلا سقف الممنوعات الطويلة العريضة،
والرقابة على كل نَفَسٍ يقترب من الذات الرئاسية وعائلته وزبانيته الذين
نهبوا خيرات مصر شرقًا وغربًا، شمالاً وجنوبًا، وتحركوا بطائرات خاصة بين
أرجاء المعمورة، لكنهم اليوم هاربون خائفون لا يستطيع أحدهم أن يعلن عن
مكانه في أي مكان من الأرض، بينما شعوبهم يخرجون لكاميرات الدنيا يتحدثون
بطلاقة عن معاناتهم وآمالهم، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
شباب مصر كان عندهم يأس أن يحصلوا على وظيفة وسكن وزوجة وأمن، وبمجرد إعلان قرار تنحي الرئيس سمعت ورأيت وعايشت الشباب وهم يدورون في ميدان التحرير وينشدون على الطريقة المصرية متفائلين قائلين: "بكرة اتوظف واتجوز".
مصر
الأمس ألبس النظام شعبه قناعًا مزيفًا أنه شعب رديء، متخلف لا يستحق
الديمقراطية ولا يحسن توظيف مفرداتها، ولا يصلح له سوى القهر والاستبداد
والدكتاتورية. ومصر اليوم لو حكمها -لا قدر الله- حكم عسكري لن يستطيع
ممارسة صنوف الدكتاتورية البائدة؛ لأن الدرس كان وسيظل شاخصًا قويًّا
حاضرًا في الشعور واللاشعور، أن شعب مصر تحرر وتغير، وطرح القناع الأسود
الذي فرضه النظام البائد أمس؛ ليظهر بأرقى نظام حضاري، وقد أشدت به بقوَّة
وإعجاب في خطبتي للجمعة بميدان التحرير يوم التنحي في المنبر الثاني أمام
المتحف المصري، حيث قلت:
هذا هو الوجه الحضاري الحقيقي للشعب المصري،
حيث تجمع أكثر من عشرة ملايين في ميادين مصر، يمثلون أسرهم كلها دون
المساس بكنيسة، أو الإضرار بمنشأة عامة أو خاصة، ودون حالة تحرش واحدة أو
خناقة جانبية، في صورةٍ تواجه بلطجة الحكومة المصرية أمس على طريقة الحقارة
الأمريكية التي نُهبت فيها الأسواق واقتُحمت البيوتات في ثورة الزنوج
بكاليفورنيا 1996م وعند انقطاع الكهرباء في أغسطس 2003م وفي السبعينيات من
قبل، فنحن أهل الحضارة وهم أهل الحقارة.
يا أحرار العالم، زوروا مصر الآن وستشمون عبيرًا مختلفًا عن الأمس بعد تنحية الفرعون وقومه وما كانوا يعرشون.
المصدر: موقع ا مصطفي عبد اللطيف الكبري .






ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق