الأحد، 2 ديسمبر 2012

الانتخابات فى ميزان الإسلام






تعيين إمام للمسلمين هو من أعظم الواجبات فى شريعة الإسلام ، فيه يقوم الدّين وتقوم الدّولة ويرعى مصالح الأمة ويكون ضامناً على تحقيق مقاصد الشريعة الخمسة وهى : حفظ الدّين والنفس والنسل والعقل والمال .


وتعيين الإمام في شريعتنا لا يكون غصباً لسطة ولا وراثة لملك ، بل أوجب المولى سبحانه مبدءاً إسلامياً هو مبدأ الشورى ، الذى لم تعين له شريعة الإسلام صورة دون صورة ، إمنا جعلتها مبدءاً وتركب للمسلمين تحديد آلياته وكيفية التوصل إلى أدائه ( وشاورهم في الأمر ) الشورى 38 ، هذا المعنى الإسلامي المعتبر الذى نزل به أمروسميت به سورة من سور القرآن ، فأمر للنبي صلى الله عليه وسلم باتباع الشورى هو ألزم لمن دونه صلى الله عليه وسلم من المسلمين ، ( وأمرهم شورى بينهم ) ال عمران 159 فهذه الآية أوجبت على المسلمين اتخاذ الشورى منهجاً لا يحيدون عنه حتى لا يضيع الحق بين الأهواء ، فالرجوع إلى أهل الذكر فيما لا قطع فيه شرعاً والاستئناس برأيهم للوصول إلى مافيه مصلحة الأمة أمر وجوبي عام ، وتعيين إمام أو والي أو خليفة أو رئيس على جماعة من المسلمين بما يسمى إنتخاب لم يرد في الشرع له تخصيص ولم يأت بشكل معين لا يخرج عنه المسلمين وإنما هو من الأمور الإجتهادية المتغيرة فهو بين المسلمين ينظمونه ويقيمونه بينهم على وفق ما يقع لهم في زمانهم ومكانهم وحالهم .


والبيعة في مراحل التشريع الإسلامي في عصر صدر الإسلام ووقت الخلافة الرّاشدة لم تكن صورة جامدة ولا إجراءات ثابتة وإنما اتخذت صورا عديدة بدأت ببيعة العقبة الأولى لمأّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد يثرب أن يختاروا من بينهم إثني عشر نقيبا ، ولم يحدد لهم من يختاروا ومن يتركوا ولا طريقة للختيار ولا إجراءات واجبة الاتباع بل ترك لهم الأمر ينظموه بينهم ، ثم تمايزت أشكال البيعة في اختيار الخلفاء الراشدين الأربعة حتى نصل إلى عليّ رضى الله عنه – الذى آثر البيعة العامة على البيعة الخاصة من أهل الحل والعقد فخرج إلى عوام الناس فبايعوه ، لا بيعة تسليم واقرار وإنما بيعة إنشاء ورضا واختيار .


والانتخابات من جملة الوسائل الشرعية الموصلة إلى تعيين إمام للمسلمين ، وتتفق فى أصل البيعة ومعناها فى شريعة الإسلام : أنها وسيلة يتحقق بها تعيين إمام للمسلمين وإعلام برضا المبايع وموافقته على إمامة فلان من الناس ، وتنعقد بالاختيار والتزكية والرضا والتسليم لإمامته، ويتحقق بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... كل هذه مفاصد شرعية ومبادئ إسلامية لا بأس في تنوع الطرق الموصلة إليها طالما لم تخالف نصا شرعيا ، وهذا من يسر الإسلام وسماحته في ترك الطرف الموصلة إلى الإمامة دون تعيين أو تقييد ليختار المسلمين أفضل وأنفع الطرق كل بحسب زمانه ومكانه وحاله.


ولا يخفى على أحد وجود مفاسد مصاحبة للانتخابات بنظامها المعاصر ومنها :


التحزب والقبلية والتعصب وتفرقة لكلمة المسلمين وإثارة للنزاع بينهم وتشتيت لجمعهم ومعلوم أن ذالك كله مذموم في دين الإسلام .


اشترك عامة الناس في الانتخابات وما يحدث في بعض الأحيان من تضليل لبسطاء العقل وضغط على مشاعرهم وحاجاتهم الأولية والتأثير عليهم من خلال الإعلام والأموال وإذاعة المخاوف ، وما يحدث في دعاية بعض المرشحين من كذب وتدليس وإخفاء لما يطعن في الرجال : فيدفعهم ذلك إلى اختيار من لا ينطبق عليه شروط الإمامة ... وهذه المفسدة هى عمدة أدلة القائلين بحرمة الانتخابات.


وهذه المفاسد وغيرها غير للانتخابات إنما هى من أعراضها ويمكن التغلب عليها بوضع شروط شرعية منها :


أن ينص في صفات الناخب صفات تقلل من مخاطر إسناد اختيار الولاة إلى العامة ، وصفات للمرشح أن يكون ممن ينطبق عليه شروط الولاية ، ثم التوعية الشرعية والثقافية العامة لجميع الناخبين ، ومنع التأثير والتلاعب الإعلامي أو ضبطه وتقعيده .


الانتخابات هى شكل من أشكال البيعة ووسيلة من الشورى وما تعلق بها من مفاسد لا يكون من ماهيتها وإنما عرض غير ملازم لها ، والحكم الشرعي يتعلق بجوهر المحل لا بأعراضه ، ولانتخابات بشكلها المعاصر لا بأس بها ... والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى الناس بها .







محمد الثانى ثانى نيجيري


كلية الشريعة الاسلامية


جامعة الازهر القاهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق