الجمعة، 18 يناير 2013

حكم المولد النبي الشريف صلى الله عليه وسلم



بسم الله الرحمن الرحيم

حكم المولد النبي الشريف صلى الله عليه وسلم

لقد كان المود النبوي الشريف إطلالة للرحمة الإلهية بالنسبة للتاريخ البشري جميعه وعبر القرآن الكريم عن وجود النبي صلى الله عليه وسلم بانه ( رحمة للعالمين ) وهذه الرحمة لم تكن محدودة , فهي تشمل تربية البشر وتزكيتهم وتعليمهم وهدايتهم نحو الصراط المستقيم وتقدمهم على صعيد حياتهم المادية والمعنوية كما أنها لا تقتصر على أهل ذلك الزمان بل تمتد التاريخ بأسره ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) .

والاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم من أفصل الأعمال وأعظم القربات لأنه تعبير عن الفرح واحب له صلى الله عليه وسلم ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل أصول الإيمان وقد صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( والذى نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ) وانه صلى الله عليه وسلم قال ( لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده والناس أجمععين ) .

قال ابن رجب ومحبّة النبي صلى الله عليه وسلم من أصول الإيمان وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل وقد قرنها الله بها وتوعد عليهما محبة شيء من الأمور المحببة طبعا من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك . فقال تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين . ولما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال ( لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال عمر : والله أنت الآن أحب إليّ من نفسي . قال : الآن ياعمر .

والاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم هو الاحتفاء به والاحتفاء به صلى الله عليه وسلم أمر مقطوع بمشروعيته لأنه أصل الأصول ودعامتها الأولى فقد علم الله سبحانه وتعالى قدرنبيه فعرف الوجود بأسره باسمه وبمبعثه وبمقامه وبمكانته فالكون كله في سرور دائم وفرح مطلق بنور الله وفرجه ونعمته غلى الغالمين وحجته .

وقد درج سلفنا الصالح منذ القرن الرابع واخامس على الاحتفال بمولد الرسول الأعظم صلوات الله عليه وسلامه بإحياء ليلة المولد بشتى أنواع القربات من إطعام الطعام وتلاوة القرآن والأذكار وإنشاد الأشعار والمدائح في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نص على ذلك غير واحد من المؤرخين مثل الحافظين : ابن الجوزي , وابن كثير , والافظ ابن دحية اأندلسي , والحافظ ابن حجر, وخاتمة الحافظ جلال الدين السيوطي رحمهم اله تعالى .

وألف في استحباب لاحتفال بذكر المولد النبوي الشريف جماعة من العلماء والفقهاء بينوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل بحيث لا يبقى لمن له عقل وفهم وفكر سليم إنكار ما سلكه سلفنا الصالح من الاحتفال بذكر المولد النبوي الشريف وقد أطال ابن الحاج في ( المدخل ) في ذكر المزايا المتعلقة بهذا الاحتفال وذكر في ذلك كلاما مفيدا يشرح صدور المؤمنين مع العلم أن ابن الحاج وضع كتابه المدخل في ذم البدع المحدثة التي لا يتناولها دليل شرعي .

قال خانمة الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه حسن المقصد في عمل المولد بعد سؤال رفع إليه عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول : ما حكمه من حيث الشرع , وهل هو محمود أو مذموم , وهل يثاب فاعله ؟ قال ( والجواب عندي أن أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس , وقراءة ما تيسر من القرآن , ورواية الأخبار الواردة في مبدإ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات , ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم وظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف )

روى البيهقي عن الشافعي رضي الله عنه قال : المحدثات من الأمور ضربان , أحدهما : ما أحدث مما يخالف كتابا أوسنة , أو أثرا , أو إجماعا فهذه البدعة الضلالة , والثاني : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد وهذه محدثة غير مذمومة . وقد قال عمر بن الخطاب رصي الله عنه في قيام شهر رمصان نعم البدعة هذه , يعني أنها محدثة لم تكن وإذا كانت فليس فيها رد لما مضى هذا كلام الشافعي .

قال السيوطي : وعمل المولد ليس فيه مخالفة لكتاب ولا سنة ولا أثر ولا إجماع فهي غير مذمومة كما في عبارة الشافعي وهو من الإحسان الذي لم يعهد في العصر الأول , فإن إطعام الطعام الخالي عن اقتراف الآثار إحسان فهو إذن من البدع المندوبة كما عبر عنه بذلك سلطان العلماء العز ابن عبد السلام .

وأصل الاجتماع لإظهار شعار المولد مندوب وقربة لأن ولادته أعظم النعم علينا والشريعة حثت على إظهار شكر النعم وهذا ما رجحه ابن الحاج في المدخل حيث قال : لأن في هذا الشهر منّ الله نعالى علينا بسيد الأولين والآخرين فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير وشكر الملى على ما أولانا به من النعم العظيمة .

والأصل الذي خرج عليه الحافظ ابن حجر عمل المولد النبوي هو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا : هذا يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكرا لله تعالى قال الحافظ : ( فيستفاد منه فعل شكر الله على مامن به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر يحصل بأنواع العبادات كالسجود ,والصيام , والصدقة , واليلاوة , وأي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ؟)

ويؤكد الحافظ ابن حجر على مظاهر ذلك الاحتفال , فيقول : ( فينبغي أن نقتصر فيه على مايفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام وإنشاد شىء من امدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة وما كان مباحا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقة به ) .

ونقل السيوطي عن إمام القراء الحافظ شمس الدين ابن الجزري من كتابه , ( عرف التعريف بالمولد الشريف ) قوله : إنه صح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب في النار كل ليلة اثنين لإعتاقه ثويبة عندما بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحة ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم فما حال المسلم الموحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم يسر بمولده ويبذل ماتصل إليه قدرته ؟ لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفصله جنة النعيم .

وأنشد الحافظ شمس الدين الدمشقي في كتابه المسمى ( مورد الصادي في مولد الهادي ) .

إذا كان هذا كافرا جاء ذمه ** وتبت يداه في الجحيم مخلدا

أتى أنه في يوم الاثنين دائما ** ويخفف عنه لليرورباحمدا

فما الظن بالعبد الذي كان عمره ** بأحمد مسرور ومات موحدا

كما يمكن الاستدلال بعموم قوله تعالى ( وذكرهم بأيام الله ) فلا شك أن مولد النبى صلى الله عليه وسلم من أيام الله فيكون الاحنفال به ما هو إلا تطبيقا لإمر الله وما كان كذلك فلا يكون بدعة بل يكون سنة حسنة حتى ولو لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ونحن نحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم للأننا نحبه ولم لانحبه وقد عرفه وأحبه كل الكائنات فهذا الجذع وهو جماد أحب النبي صلى الله عليه وسلموتعلق به واشتاق إلى قربة الشريف صلى الله عليه وسلم بل وبكى بكاء شديدا تشوقا للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تواتر هذاالخبر وصار العلم به محتما وروي عن أكثر من صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما معتمدا على جذع نخل منصوب فإذا طال وقوفه وضع يده الشريفة على ذلك الجذع ولما كثر عدد المصلين صنع له الصحابة منبرا فلما خرج صلى الله عليه وسلم من باب الحجرة الشريفة يوم الجمعة يريد المنبر وجاوز الجدع الذي كان يخطب عنده إذا بالجدع يصرخ صراخا شديدا ويحن حنينا مؤلما حتى ارتج المسجد وتشقق الجدع ولم يهدأ حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم عن المنبر وأتى الجدع فوضع يده الشريفة عليه ومسحه ثم ضمة بين يديه إلى صدره الشريف حتى هدأ ثم خيرة بأن سارره بين أن يكون شجرة مثمرة في الدنيا فاختار الجدع أن يكون شجرة في الجنة فقال صلى الله عليه وسلم أفعل إن شاء الله أفعل إن شاء الله أفعل إن شاء الله , فسكن الجدع ثم قال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لولم ألتزمه لبقي يحن إلى قيام الساعة شوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومما سبق ذكره من أقوال الأئمة كابن حجر , وابن الجوزي , والسيوطي , وغيرهم , وتبين أن هذا حال الأمة من القرن الخامس الهجري نرى استحباب الاحتفال بالمولد الشريف موافقه للآمة والعلماء وأن يكون الاحتفال بما ذكر من تلاوة القرآن والذكر وإطعام الطعام ولا يتطرق إليه مظاهر مذمومة كالرقص والطبل وما إلى ذلك ولا إلى عبرة بمن شذ من هذا الاجماع العملي للأمة وأقوال هؤلاء الأئمة وليس ذلك الاحتفال بكثر على النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة حبيب رب العالمين وفي الختام أذكر قول صاحب البردة .

فهوالذي تم معناه وصورته ** ثم اصطفاه حبيبا بارئ النسم

منزه عن شريك في محاسنة ** فجوهر الحسن فيه غير منقسم

دع ماادعته النصارى فى نبيهم ** واحكم بماشئت مدحا فيه واحتكم

وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ** وانسب إلى قدره ماشئت من عظم

فإن فصل رسول الله ليس له ** حد فيعرب عنه ناطق بفم



والله تعالى أعلى وأعلم.

أخرجه الطالب مصطفي عبد الطيف الكبري

كلية أصول الدين جامعة الأزهر

بالقاهرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق