الخميس، 7 مارس 2013

المبدأ القرآني في بناء الإنسان والحضارة (2)

 
 
 
المبدأ القرآني للنهضة

ونحن نجد بين أيدينا نماذج لمواقف بعث حضاري إسلامي قام بها علماء (شيوخ) ودعاة مصلحون.. مهندسون ومربون.. عرفوا كيف يمزجون في بعثهم للأمة، وإحيائهم لها، وإخراجها من مرحلة الاستعمار أو القابلية للاستعمار إلى مرحلة القيادة الحضارية التي تمزج بين العمل الحضاري والتوجيه القرآني..

ففي مواجهة إعلان الحاكم الفرنسي العام للجزائر (موت الإسلام في الجزائر) بمناسبة مرور مائة سنة على احتلال فرنسا للجزائر، وترويعه للشعب الجزائري بقوله: لقد حمل محمد عصاه من الجزائر ورحل إلى الأبد..

في مواجهة هذا الإعلان المشبع بروح الحقد الصليبي قام الشيخ عبد الحميد بن باديس بإنشاء حركة إصلاح من العلماء الجزائريين.. وبدأها بتلقين الشعب الجزائري دروس تفسير القرآن في مسجد قسنطينية، وأتم تفسير القرآن المسمى (مجالس التذكير)، قاصدًا بعث الشعب الجزائري بالتربية القرآنية القائمة على العلم والعمل..

وقد كانت حركة الإصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون أقرب حركات الإصلاح والنهضة في الجزائر إلى النفوس وأقواها في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وأدخلها في القلوب؛ إذ كان أساس منهاجهم الأكمل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

فأصبحت هذه الآية شعار كل من ينخرط في سلك الإصلاح في مدرسة الشيخ عبد الحميد بن باديس.. وكانت أساسًا لكل تفكير وتغيير ونهضة... فظهرت آثارها في كل خطوة، وفي كل مقال، حتى أُشرب الشعب في قلبه نزعة التغيير، بدءًا من تغيير النفس.. وصولاً إلى تغيير الواقع.. تطبيقًا للمنهج القرآنى في التاريخ.

وبالتالي أصبحت أحاديث الشعب، تتخذ الآية القرآنية ومنهجها الإسلامي شرعة ومنهاجًا.

فهذا يقول: لا بد من تبليغ الإسلام إلى المسلمين. وذاك يعظ قائلاً: فلنترك البدع الشنيعة البالية التي لطخت الدين، ولنترك هذه الأوثان. وذلك يلح: يجب أن نعمل.. يجب أن نتعلم... يجب أن نجدد صلتنا بالسلف الصالح، ونحيي شعائر المجتمع الإسلامي الأول.. الذي أقام حضارة إنسانية عالمية، ونشر دينًا.. وصنع خير أمة.

لقد انطلقت الأفكار، ثم تلاقت وتصارعت... وظهرت آثارها في صورة مدرسة، أو مسجد، أو مؤسسة إصلاحية.
معادلة العلامة مالك بن نبي

ويعلق العلامة المهندس الجزائري مالك بن نبي على الطرح الذي طرحته أفكار ابن باديس وقيمتها في إحداث التحول الحضاري في الجزائر، فيقول:

لقد بدأت معجزة البعث تتدفق من كلمات "الشيخ عبد الحميد بن باديس"، فكانت تلك ساعة اليقظة، وبدأ الشعب الجزائري المخدَّر يتحرك.. ويا لها من يقظة جميلة مباركة.

وهكذا استيقظ المعنى الجماعي، وتحولت (مناجاة الفرد) إلى (حديث الشعب)، فتساءل الناس: كيف نمنا طويلاً؟ وهل استيقظنا حقًّا؟ وماذا يجب أن نفعل الآن؟

لقد فهم ابن باديس -وخلفه الشعب الجزائري- معادلات التغيير الأساسية الصالحة لبناء مجتمع حر متحضر.. لقد فهموا أن الحقوق نتيجة حتمية للقيام بالواجبات.. والواجبات أولاً.. والتلازم قائم لا ينفصل بين الواجبات والحقوق.. والحقوق تُؤخذ ولا تمنح، وتفرض بالإرادة القرآنية الحضارية ولا تُتسول ولا تُهدى.. ولا تُغتصب كما تغتصب الغنائم والأشياء، بل هي نتيجة طبيعية للقيام بالواجب.. مثلما أدى المسلمون واجبهم في مكة خير قيام، فظهرت دولة الواجبات والحقوق في المدينة.

إن الشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عَدّل وضعه الاجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي.. وإنها لشرعة السماء وقانون الله وسنته الاجتماعية: (غيِّر نفسك.. تغيِّر التاريخ).

فهل استوعب الدعاة والمصلحون هذه القوانين؟ وهل يجاهدون في سبيل تغيير النفوس وصولاً لتغيير المجتمع وبناء الحضارة؟ هل يدركون ضرورة المزج بين الفقه بالعلوم الشرعية والإنسانية والكونية؟

وبالتالي هل يقومون بهذه الوظيفة المزدوجة من خلال منابر التربية والتأثير المختلفة، فيعلّمون الأمة العلوم الشرعية والإنسانية والكونية انطلاقًا من أن كتاب الله يتضمن تعليم العلوم الشرعية والتوجيهات الواضحة إلى القوانين النفسية والاجتماعية، كما أن القرآن بسط القول في الحديث عن آيات الله في الكون والآفاق في عشرات من سور القرآن.

يا أيها الدعاة، ويا معلمي الأمة في بيوت الله، قدموا القرآن كله للناس، وعلِّموهم ما فيه من شريعة الله ومن آيات الله في الأنفس والآفاق... فهذه هي تحديات العصر، وعليكم أن تواجهوها بما يناسبها.. والله معكم.

المصدر: مجلة التبيان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق