صاحب مقال / مهدي ساتي
وُلد الشيخ آدم عبد الله الألوري لأبوين كريمين في جنوب نيجريا عام 1917م وتلقَّى العلم على والده ثم على كوكبة من العلماء داخل البلاد النيجرية وخارجها حيث سافر إلى عدد من البلدان الإسلامية الكبرى مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم القاهرة وأمدرمان، فالتقى فيها بعدد من العلماء الأعلام من أمثال الشيخ محمود أبو العينين، الشيخ شلبي، الإمام حسن البنا، الشيخ محمد الأمين وغيرهم من علماء ذلك العصر، وبعد ذلك عاد الشيخ إلى بلاده ليؤسس معهداً للتعليم العربي والإسلامي في مدينة أبيكونا عام 1952م لينتقل منها إلى مدينة لاغوس حيث تطور المعهد المذكور ليصبح في نهاية المطاف مركزاً إسلامياً جامعاً لمئات الطلاب القادمين من شتى أقطار القارة الأفريقية طلباً للعلم والمعرفة . وسُمِّي بالألوري نسبة إلى .مدينة ألورن بوابة الشمال إلى الجنوب النيجيري.
كان الشيخ آدم عبد الباقي حبيب الله بن عبد الله الألوري ـ فيما يبدو ـ مدركاً لقضايا عصره، ملماً بواقع المسلمين في زمانه الذي شهد صوراً متعددة من سيادة الاستعمار وغلبة الثقافة الغربية التي مهدّت لها جيوش أوربا الغازية لديار الإسلام، فكان بذلك شاهداً على عصره حيث وثّق لكثير من صور الصراع الثقافي بين الصليبية والإسلام من خلال كتاباته في تاريخ الثقافة الإسلامية في أفريقيا وقضايا الدعوة إلى الإسلام في بلاده، وتحديات العمل الدعوي، فكتب بذلك في التاريخ والفكر والأدب والثقافة فجاءت كتاباته موسوعية حاوية .
نال الشيخ الألوري كثيراً من الأوسمة والجوائز التشجيعية في حياته، منها وسام جمهورية مصر العربية في العلوم والفنون . وظل مركزه منارة للعلم والثقافة العربية في جنوب نيجريا ( بلاد اليوربا ) كما ظل الشيخ الألوري يواصل نشاطاته الدعوية والعلمية حتى وفاته في عام 1992م عن عمر يناهز الخامسة والسبعين بعد أن أثْرت كتاباته العديدة المكتبة العربية الإسلامية في مناطق حاول فيها الاستعمار مصادرة أصول الفكر والثقافة الإسلامية ولا يزال، كما هو الحال في جنوب نيجريا مركز قبائل اليوربا .
الدعوة والثقافة الإسلامية في نيجريا ومناطق الجنوب :
معلوم أنَّ الإسلام بدأ يخترق الصحراء جنوباً منذ الفترات الأولى لانتشاره في شمال أفريقيا خلال القرن الأول الهجري ـ السابع الميلادي ـ ثم بدأت قوافل التجارة تحمل معها دعوة الإسلام إلى بلاد الساحل والصحراء فوجدت تلك الدعوة قبولاً واسعاً في أوساط شعوب قبائل تلك البلاد لما اتسمت به تجارة ذلك الزمان من سماحة وأمانة وحكمة في التعامل مع تلك الشعوب امتثالاً لقوله تعالى(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل:125) الأمر الذي مَهَّد لقيام عدد من الإمارات الإسلامية التي مَكَّنت بدَورها لحركة الثقافة الإسلامية بدءاً من القرن الحادي عشر الميلادي الذي شهد تحول غانا إلى الإسلام، وانحياز إمارات التكرور إلى عقيدته، إضافة إلى تحول الإسلام حول بحيرة تشاد في السودان الأوسط إلى قوة حاكمة بظهور مملكة كانم ـ برنو ـ التي نجحت في بسط سلطانها السياسي على كثير من المناطق المجاورة بما في ذلك مناطق الهوسا في شمال نيجريا، فانتقلت الثقافة الإسلامية إلى تلك البقاع بعد أن سادت في كانم، التي قال فيها صاحب (إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور) (وقد انتشر الإسلام فيها انتشاراً بين سلاطينهم ووزرائهم وعامتهم، بل لا يوجد في هذه البلاد عامة إلا معتنون بقراءة القرآن وتجويده وحفظه وكتابته) وباستمرار التواصل بين هذه المملكة وبلاد الهوسا إضافة إلى المصاهرة والهجرات المتتالية والتجارة والحج، وتدفق العلماء، انتشرت الثقافة الإسلامية في شمال نيجريا وولاياتها التاريخية حيث وصلت كانو إلى ذروتها في الثقافة الإسلامية العربية بنهاية القرن الخامس عشر الميلادي، فلحقت بها ولايات أخرى في شمال البلاد كولاية كشنة وزكزك وغيرها فصارت جميعها ولايات إسلامية تعج بالمدارس القرآنية . بدأت طلائع الدعوة الإسلامية في الاتجاه جنوباً نحو حزام السافنا الغنية ومشارف الغابات في الجنوب النيجري عن طريق هجرات عدد من الهوساويين والبرناويين وغيرهم من التجار الذين تكاثرت أعدادهم فأسسوا عدداً من المدن والقرى ومنها ( ربوة السنة) التي تأسست حوالي 1700م وبدأ ظهور عدد من المساجد في كبريات مدن اليوربا حيث أسس مسجد مدينة أويو عام 1755م ومسجد مدينة (إسين) عام 1770م ثم مسجد مدينة لاغوس عام 1775م .
يُعَدُّ انتصار الثورة الفودية بقيادة الحبر المجاهد الشيخ عثمان دان فودي وتأسيسه خلافة سكتو في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، حدثاً تاريخياً فريداً في حركة انتشار الإسلام في غرب أفريقيا، وتحولاً ثقافياً عقدياً هائلاً في حياة شعوب الحزام السوداني العريض ، والشعوب المجاورة، وبطبيعة الحال شهدت البلاد النيجرية في الشمال والجنوب فصولاً من هذا التحول الثقافي والاجتماعي في ظل الثورة الفودية . وفي الحديث عن بلاد اليوربا يقول الشيخ الألوري : ( وهكذا كان يوجد الإسلام في بلاد " يوربا " مبعثراً ينتشر انتشاراً بطيئاً على أيدي التجار المتجوِّلين أولاً ثم على أيدي الدعاة المجهولين ثانياً، وكانوا يستعملون التيسير والتدرج في دعوتهم إلى الإسلام كذلك ظل فيها غريباً أو ضعيفاً أو محصوراً في بعض الجهات إلى أن قامت في مدينة ( ألورن ) دولة إسلامية تحت لواء ابن فودي .
عصر الألوري :
عالمياً شهد التاريخ وقوع حربين عالميتين وُلِدَ الشيخ الألوري عند نهاية أولاهما، وتم هزيمة الدولة العثمانية و من ثمَّ تمَّ إقصاء القانون الإسلامي فيها بعد استبداله بالقوانين الوضعية الأوربية وانتهى الأمر في عاصمة الخلافة الإسلامية بإعلان أتاتورك تعطيل أحكام الشريعة الإسلامية في بلاده في مارس عام 1924م ومنذ ذلك التاريخ صار مطلب إعادة تحكيم الشريعة الإسلامية أمنية تراود آمال المصلحين الإسلاميين في الوقت الذي وقعت فيه معظم البلاد الإسلامية والعربية تحت وطأة الاستعمار وسياساته المجحفة في حق الشعوب الإسلامية والعربية بحرمانها عن سيادتها والتمكين للصهيونية العالمية في أرض فلسطين، وقد وُلِدَ الشيخ الألوري في العام الذي شهد وعد بلفور .
أما في أفريقيا فقد شهد الجانب الغربي من القارة ـ كغيره من المناطق ـ تسابق الدول الأوربية على اقتسام أقطارها خاصة من القوتين المتنافستين آنذاك فرنسا وبريطانيا، وبدأت الشعوب المسلمة في أفريقيا جهادها لمقاومة الصليبية الجديدة، وعلى نطاق نيجريا فقد حشدت الخلافة الصكتية قواها لمجابهة البريطانيين الغزاة، حتى سقوطها في السابع والعشرين من يوليو 1903م، بعد أن خاض المسلمون معركة بطولية شرسة في وقعة بورمي بقيادة آخر سلاطين صكتو الشيخ الطاهر أحمد شهيد الجهاد والنضال ضد المستعمرين . وهكذا انتهت الخلافة الصكتية كسلطة حاكمة منذ إنشائها 1803م إلى سقوطها في 1904م، بعد أن ظلت قرناً كاملاً من الزمان، ولكن بقيت آثارها في نفوس المسلمين قوية محركة لطموحات المصلحين في إعادة بناء الأمة الإسلامية في هذه الربوع، ولذا كانت كتابات الألوري الكثيرة عن قيام ومجاهدات هذه الخلافة الإسلامية، وحينما أرَّخ الشيخ الألوري للإسلام في نيجريا بكتابه المهم : ( الإسلام في نيجريا والشيخ عثمان بن فوديو الفلاني المجاهد الإسلامي الأكبر لغرب أفريقيا والجد الأعلى للشهيد أحمد بلو) كان ذلك في محاولة منه لربط الماضي الجهادي بالحاضر البطولي لشهداء الإسلام في عصره .
عينَّت بريطانيا الجنرال F.Laugard مندوباً سامياً وحاكماً عاماً للبلاد ولضمان إحكام السيطرة على البلاد شرع لوغارد في إرسال الحملات العسكرية لتمشيط المنطقة من كل عناصر المقاومة الإسلامية وإخضاع الأمراء الذين رفضوا توقيع الاتفاق مع الإدارة الاستعمارية، وبعد ذلك أعلنت بريطانيا ضم المستعمرات الجنوبية والشمالية في حكومة واحدة وذلك في يناير 1914م التاريخ الذي يُعَدُّ بدايةً لتاريخ نيجريا المعاصر . وبعد الحرب العالمية الثانية قُسِّم الجنوب النيجري إلى مقاطعتين غربية وشرقية وبذا قُسِّمت البلاد إلى ثلاث مقاطعات، الشمالية والغربية والشرقية، وفي مؤتمر أبادن طالبت الولاية الشمالية ذات الكثافة الإسلامية العالية، بأن يكون لها الثقل في أي تمثيل دستوري في البلاد نسبة لكثافة سكانها فتمَّ الاتفاق على ذلك ومن ثمَّ تكوَّنت أحزاب سياسية في سائر الولايات وصدر الدستور لقيام حكومة اتحادية عاصمتها لاغوس، وعلى أثر مؤتمر لندن 58-1959م شُكِّلت حكومة اتحادية برئاسة الحاج تفاوة بليو، نالت بعدها البلاد استقلالها ضمن رابطة الشعوب البريطانية ( الكومنولث ) في 1960م وعندها تنازلت ملكة بريطانيا عن رئاسة البلاد لـ ( نامدي ازيكوي ) النصراني الذي صار حاكماً عاماً للبلاد، مع بقاء أبي بكر تفاوة رئيساً للحكومة وتم تقسيم البلاد إلى أربعة أقاليم على النحو التالي :
1- الإقليم الشمالي وأغلبية سكانه من المسلمين بنسبة 99 % .
2- الإقليم الجنوبي وسكانه خليط من المسلمين والمسيحيين والوثنيين .
3- الإقليم الغربي وسكانه خليط من المسلمين والمسيحيين والوثنيين .
4- الإقليم الشرقي وأغلبية سكانه من النصارى والوثنيين .
شهدت البلاد بعد ذلك أحداثاً مأساوية بالغة في تاريخها المعاصر، حيث قتل أحمد بيلو وأبوبكر تفاوه إثر انقلاب عسكري في سنة 1966م ثم أعقب ذلك انقلاب عسكري آخر بقيادة الجنرال يعقوب غاوون أحد جنرالات الهوسا المُتنصِّرين في الشمال، وبعد عام من ذلك شهدت البلاد قيام حركة انفصالية في الشرق بقيادة الجنرال أوجوكو الذي أعلن عن قيام دولة بيافرا واستمرت أحداث هذه الحرب الدامية ثلاث سنوات (67- 1970م ) لتنتهي بهزيمة قبائل الأيبو المتمردة بعد أن خَلَّفت آثاراً اجتماعية واقتصادية مدمرة في البلاد لا تزال آثارها باقية ، وتحت شعار إغاثة المنكوبين انفتح الباب واسعاً للمنظمات الكنسية في البلاد فكَثَّفت الإرساليات من وجودها الذي بدأ منذ أيام الاستعمار الأولى، وبدأت بعد أحداث بيافرا في محاولة تأكيد وجودها في الشمال المسلم فشهد الربع الأخير من القرن الماضي مشروعات تنصيرية مُكَثَّفة كان من أبرزها مشروع تنصير قبائل الفلاني الرُّحل في محاولات لاستمالتهم عن طريق تقديم المساعدات والخدمات الاجتماعية والبيطرية، بينما واصلت المنظمات الكنسية تعزيز وجودها في البلاد عن طريق المدارس الكنسية والجامعات الخاصة الأمر الذي ظل يثير حفيظة المسلمين في الشمال والجنوب، خاصة بعد أن عكفت دولة الكيان الصهيوني على تعزيز وجودها في البلاد عن طريق الشركات والمؤسسات الاستثمارية والأندية الشبابية كالروتاري وغير ذلك، الأمر الذي جعل العلماء المسلمين في البلاد من أمثال الألوري وغيره يلتفتون في كتاباتهم ومحاضراتهم إلى خطورة هذا الاتجاه التغريبي الذي ظل منذ أيام الاستعمار يستهدف أبناء المسلمين . ولتكثيف الجهود في مجابهة هذا الغزو الثقافي حفاظاً على هوية الأمة، تكَوَّنت أعداد من الجمعيات الإسلامية في البلاد كجمعية أنصار الدين وجمعية أنصار الإسلام ومجموعة إزالة البدعة واتحاد الشباب الإسلامي في نيجريا (Young Muslim Association of Nigeria ) (Y.M.A.N) ورابطة اتحاد النساء المسلمات في نيجرياً(Federation of Muslims Women Associatiom of Nigeria ) (FOMWAN) وجمعية الطلاب المسلمين في نيجريا (Students Society of Nigeria) وكذلك (Islamic Education Trust) وغيرها من العديد من الروابط والجمعيات الدعوية والخيرية .
شهد عصر الألوري في أواخر القرن الماضي خاصة صحوة إسلامية عارمة تطالب فيما تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، خاصة بعد أن نجحت بعض الولايات في تطبيقها الأمر الذي أثار حفيظة النصارى في الداخل والخارج فكتبت (الغارديان) مُحذِّرة من تصاعد العمل الإسلامي في نيجريا حيث تقول : (علينا أن لا ننسى الدور الكبير الذي لعبه أولئك البداوة من المسلمين في تاريخ نيجريا على مَرِّ العصور ـ لعلَّ الإشارة هنا إلى قبائل الفلاني والهوسا ـ فالتعصب الديني يسود تلك القبائل لدرجة الهوس .. هكذا) ، وذلك إشارة منها إلى حركة الطلاب الجامعيين والمنظمات الشبابية وتصاعد مطالبات الرأي العام الإسلامي في نيجريا بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بعد أن نجحت عدد من الولايات في تطبيقها ومنها ولاية زمفرا وصكتو وكانو وكادونا والنيجر .
هكذا عاش الألوري عصراً مفعماً بالأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية في بلاده فكتب في السياسة والثقافة والاجتماع وشارك في حركة النهضة الثقافية الإسلامية في بلاده لأكثر من نصف قرن من الزمان .
ثقافة الألوري ومراحل تكوينه الأولى:
نشأ الشيخ آدم الألوري في بيت حسب ودين حيث عمل والده إماماً لجامع القرية وكان إمام الجامع يحظى في ذلك الزمان بمكانة اجتماعية مرموقة . وكانت دارهم ـ كما يروي الألوري ـ مفتوحة لكثير من العلماء العرب الجوَّالة القادمين من بلاد مالي وشنقيط ( موريتانيا ) وكان والده حريصاً على مجالس العلم حتى عاقه طلب الرزق عن حضورها فبدأ التجوُّل في بلاد اليوربا مصطحباً معه ابنه وفي ذلك يقول الإلوري : (وكان يأخذني معه في حِلِّه وترحاله فمنذ نعومة أظفاري يهتم بتربيتي على الأسلوب القاسي الشديد ويُعَلِّمُني ممَّا علمه الله من العلوم اللغوية والدينية إلى أن وصلت مدينة أبادن عام 1924م وهنا أطلق سراحي لكي أذهب إلى الشيخ صالح سبط أستاذه مالك . وبهذا انفتح أمامي منهج جديد في الحياة غير الذي سرت عليه عند والدي رحمه الله تعالى) .
تتلمذ الألوري بعد ذلك على الشيخ عمر أحمد الإمام (1909-1974م) أثناء إقامته بلاغوس، وصار يتردد عليه في المسائل الفقهية التي تستعصي عليه، وبعد ذلك أُتيحت له فرصة الالتقاء بأحد الأساتذة السوريين الذين عُرفوا بالعلم والأدب وفي هذا يقول الشيخ الألوري : ( جمعني الحظ السعيد برجل سوري اسمه السيد موسى الأمين، كان بزَّازاً ولكنَّه من رجال العلم والأدب، كنت أزوره في محله وأستفيد منه الدقائق في كل مرة، وهو العربي الوحيد الذي أخذت منه العلم والثقافة أيام طلبي). بعد ذلك انتقل الألوري إلى الشيخ آدم بن محمد العربي ابن آدم الكنوي وكان عالماً في مختلف الفنون فأخذ عنه علوم البلاغة والعروض والقافية ومبادئ المنطق والفلسفة والتصوُّف وذلك حتى عام 1944م .
أفرد الشيخ الألوري في مُؤَلَّفه (من هنا نشأت وهكذا تعلَّمت حتى تخرَّجت) فصلاً عن بقية أساتذته العرب ويقول في هذا (أما أساتذتي من العرب الأقحاح فلا أستطيع إحصاءهم عدداً ومنهم من استفدت منه موضوعاً كاملاً من مواضيع العلوم والبحوث، ومنهم من راجعته لحلِّ مشكلة في فصل وأبواب في كتاب أو كتب، ولماَّ سافرت إلى مصر لازمت الشيخ محمود أبو العيون الذي كان شيخ علماء الإسكندرية ثم صار السكرتير العام للمعاهد الأزهرية ومنهم الشيخ شلبي يحيى والشيخ عثمان مريزيق ومنهم الشيخ محمود شلتوت قبل أن يتولَّى المشيخة وبعد تولِّيه، ومنهم الإمام حسن البنا المرشد العام للإخوان، وكم من عالم فقيه لقيته في السودان العربي في الخرطوم وأمدرمان وغيرهما وكم من عالم استفدت منه في مكة المكرمة كالسيد علوي مالكي ومحمد الأمين وفي المدينة المنورة، أولئك الذين اكتملت بهم ثقافتي ثم بارك الله عليّ فيما أخذت من الجميع فجزاهم الله خيراً عني وعن سائر المسلمين .
وأخيراً فبجانب ثقافته الإسلامية العربية الواسعة، كان الشيخ الألوري مُلِّماً إلماماً طيباً باللغة الإنجليزية، اللغة الرسمية في البلاد النيجرية، ويبدو هذا جلياً في استفادته من عدد من المراجع الصادرة بتلك اللغة في بعض إصداراته .
فكر الألوري ومنهجه في التربية والتعليم والتأليف :
انتهج الألوري في حركته التعليمية منهجاً محورياً يقوم على الدعوة والإرشاد وفق مطلوبات الكتاب والسنة، عبر منهج بحثي يعتمد على الاستقراء والتحليل وشيء من الموضوعية تحرياً للأمانة العلمية، كما ظل الألوري في حياته العملية بعيداً عن الخلافات التي أقعدت الكثيرين عن الوصول إلى غاياتهم، ولعل مرد ذلك يعود إلى طبيعته التوسطية في الأمور، وفي ذلك يقول عن نفسه (الناس زعموني صوفياً، قلت نعم أنا صوفي ما دام التصوف مجاهدة للنفس ومهاجرة للسوء .. وبعضهم زعموني سلفياً، قلت نعم أنا سلفي ما دامت السلفية الإقتداء والإتباع للقرون الأولى في الإسلام لحديث "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، أنا سلفي ما دامت السلفية دعوة إلى تمسك بالكتاب والسنة من غير استهتار ولا استنكار ... أنا سلفي من غير حمل العصا على أحد من السلف والخلف .. أنا سلفي إذا كانت السلفية في الشريعة والعادات مرونة وتطوراً لا جموداً وتزمتاً هذا هو التسامح الذي تعلَّمناه من آبائنا وشيوخنا .
ظل الألوري في كتاباته وأعماله البحثية يتحرى نهجاً تأصيلياً واضحاً حيث يستشهد في كل أعماله بالقرآن الكريم والحديث الشريف ، وقد أفاد كثيراً من اطلاعه على كتابات السلف من الفقهاء والعلماء ، فهو كثير الاستشهاد بالإمام الغزالي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن خلدون والماوردي وانتهى إلى تحقيق كثير من أهدافه الدعوية والتربوية عبر وسائل من أهمها :
1- العمل عبر الندوات والمحاضرات واللقاء المباشر بالحاضرين .
2- الانكباب على الكتابة والنشر والتحقيق .
3- المشاركة في المؤتمرات المختلفة .
4- تأسيس المراكز الإسلامية والمدارس العربية والإسلامية .
بجانب ذلك كان الألوري مدركاً لأهمية التوثيق في كتاباته انطلاقاً من إيمانه بأهمية التاريخ في فهم الحاضر واستشراف المستقبل وفي هذا يقول في أحد مؤلفاته :
(بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على من لا نبي بعده، كان للتاريخ بين العلوم العقلية والنقلية مكانة لا تُجْهَل ومزية لا تُنْكَر وله أثره القوي في دفع عملية التقدم إلى الأمام لأنّ دراسة التاريخ لا تكون تسلية بذكر الوقائع والأخبار فقط، ولكنها تكون تذكرة وتربية بأحوال الأمم الماضية وبديانتهم المختلفة في الأعصر السابقة لتحسين الشئون في الحياة الحاضرة .. ومهما يكن الأمر من شيء فإن تاريخ كل أمة في المبدأ لا يخلو أكثره من الأساطير التي يتشدق بها البسطاء من عصرها السابق للتاريخ، والعصر التاريخي بالذات قد يسجل الأوهام والأكاذيب التي تنشأ من الجهل أو الغفلة أو تحمل الافتراضات والتخمينات التي تنشأ من التعصب أو الغيرة ولا يكاد ينجو من هذه وتلك إلا المُوفَّقون المنصفون وقليلٌ ما هم) . هكذا يفصح الألوري عن نظرة بحثية متكاملة في ما صار يسمى في العلوم الاجتماعية مؤخراً بفلسفة التاريخ، فنظرته تقوم على الاستقراء والنقد والتمحيص، حيث يقول في تقويمه لعدد من المراجع والمؤلفات في تاريخ الإسلام والمسلمين في غرب أفريقيا (ثم إنِّي طالعت الكتب المكتوبة باللغة الإنجليزية فألفيتها مزيجاً من الحق والباطل وخليطاً بالإخلاص والتعصب، كما وجدت نتفاً من الكتب العربية لبعض الرحالة العرب الذين زاروا البلاد زيارة عابرة وكتبوا مشاهداتهم وأضافوا لها أشياء منقولة من الكتب الإنجليزية، فجاءت كتبهم بضاعة مزجاة، ومن أجل ذلك نَهَضتُ لتَتَبُّع تاريخ هذه البلاد مستعيناً بمؤلفات أهلها، واعتمدت كتب الإنجليز فيما يخصهم لمعرفة تواريخهم) وقد نبه الألوري إلى مسألة لا تزال تؤرق كثيراً من الباحثين وتدور حول عدم اهتمام كثير من علماء أفريقيا بالتاريخ فكتب يقول : (علماء أفريقيا الغربية المسلمون القدماء لا يكترثون بتدوين حوادث بلادهم التي شاهدوها، ولا بدراسة أحوال أرضهم التي نشأوا فيها وترعرعوا فوقها، وإنما يطمحون إلى دراسة أحوال البلاد النائية ويصرفون النظر عن بلادهم الدانية إلا ما كان منذ أربعمائة سنة حيث بدأ قليل من العلماء يسجلون تاريخ بعض الأمراء والعلماء في هذه البلاد، وبالطليعة الأولى منهم أحمد بابا التمبكتي المتوفى 1003هـ، وعبد الرحمن السعدي، وآل فودي وتلاميذهم ، هؤلاء الذين بحثوا في التاريخ الأفريقي القديم وتركوا لنا منه شيئاً نستضيء به في البحث ونهتدي به في التأليف) .
بهذا الفهم العميق والتحليل المتميز وضع الألوري يده على إحدى أكبر إشكاليات البحث العلمي التي لا تزال تواجه الباحثين في قضايا التاريخ والثقافة الأفريقية، لافتقارها إلى مقومات التوثيق لضعف المصادر التاريخية وغيابها في معظم الأحيان، وقد عزا الألوري ذلك إلى أسباب أبان بعضاً منها .
مؤلفات الشيخ آدم الألوري العلمية:
1- كتاب الدين النصيحة:
2- كتاب الإسلام في نيجريا والشيخ عثمان بن فوديو الفلاني :
3- كتاب موجز تاريخ نيجريا :
4-كتاب توجيه الدعوة والدعاة في نيجريا وغرب أفريقيا :
5- كتاب الإسلام وتقاليد الجاهلية:
6-الإسلام اليوم وغداً في نيجريا:
7- أشعة العقول والنقول على أضواء القنديل والفضول :
8- رسالة في تقديم وتحقيق منظومة صرف العنان عن طريق النيران إلى طريق الجنان للواعظ الأديب محمد مود بن محمد الفلاني:
9- كتاب مصباح الدراسات الأدبية في الديار النيجرية :
8 ــ الكتب المدرسية :
ألّف الألوري عدداً من الكتب المدرسية لطلاب المراحل الإعدادية والثانوية وذلك في التاريخ والتاريخ الإسلامي، والجغرافيا بصورة مبسطة، مما يدل على اهتمامه بتعليم الناشئة وتبسيط المعارف بالصورة التي تناسب مقدرتهم في الاستيعاب والفهم والتفكير .
تَعَرَّض الألوري كما ذكرنا إلى بعض النقد من بعض معاصريه ولعل من أشهرهم صاحب كتاب (أضواء على كتاب الإسلام اليوم وغداً في نيجريا) وقد قام الألوري بالرد عليه في رسالته ( أشعة العقول) كما مرّ بنا إلا أنه بدا منفعلاً في ردوده كما أسلفنا، وتنبعث معظم الحيثيات والدعاوى الواردة المذكورين فيما يبدو من بعض الحساسيات القائمة بين مسلمي الشمال الهوسا ومسلمي الجنوب اليوربا والتي آن الأوان لتجاوزها في ظل الضغوط التي تواجه المسلمين في الشمال والجنوب وقد أخذ صاحب الكتاب على الألوري ما قد يفهم منه بأنه تضخيم من جانبه لشوائب العلاقة بين المجموعتين .
إنَّ مجهودات الشيخ آدم الألوري على تنوعها في مجال الكتابة والبحث والتأليف، وقيمتها الكبيرة في بث الوعي الثقافي والمعرفة، لا تخلو بطبيعة الحال من بعض المآخذ وقديماً قال علماء المسلمين بأنَّ من صنَّف فقد استهدف، أي صار هدفاً يرمى بالأقاويل، ومن بعض هذه المآخذ جنوح الشيخ الألوري إلى التعميم بما قد ينافي الدقة في بعض الأحيان ..من أمثلة ذلك حديثه عن بلاد (التكرور) باعتبارها (نيجريا)، بينما المعلوم أنَّ أقطاراً أخرى معاصرة تشارك نيجريا هذا المصطلح منها مالي والسنغال وربما غير ذلك، ومن عدم الدقة في استعمال المصطلحات مثل استعماله مصطلح (التفرقة العنصرية) في حديثه عن علاقات الشمال النيجري بالجنوب، حيث أنَّ الأمر على ما قد يكون منه لا يرقى لأن يكون تفرقة عنصرية بالمعنى المتفق عليه في عالم اليوم، يضاف إلى ذلك ظاهرة تكرار الشيخ لبعض المعلومات في أكثر من مؤلف ومكان، إضافة إلى عدم التطابق الدقيق بين عناوين الكتب ومحتوياتها في بعض الأحيان، فكتابه (نظام التعليم العربي وتاريخه في العالم الإسلامي) على سبيل المثال، يحوي فصولاً عن التعليم في إنجلترا وفرنسا وأمريكا وغير ذلك في مباحث مستقلة، مما يُعَدُّ خروجاً بعض الشيء على جوهر الموضوع . من جهة أخرى فقد يُعاب على الشيخ العلامة على تمكنه وسلامة عبارته، تطويل العناوين التي يضعها لبعض مؤلفاته، وأخيراً فاعتداد الألوري الكثير بشخصه مما يلحظه القارئ من خلال الإطلاع على مؤلفاته النفيسة فتح الباب لحديث بعضهم، كما أنَّ جنوحه للانفعال والغضب في الرد على خصومه كما في رسالته (أشعة العقول) لا تتماشى مع ما عُرَفَ عن العلماء من الحلم والتسامح والموضوعية وإن عُرِفَ بعضهم بالحدة .
على الجانب التطبيقي ظلت برامج المركز العربي الإسلامي الذي أسسه الشيخ تقوم بدورها الفاعل في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية، فقد كان الألوري معتقداً مفاخراً باللغة العربية في بلاد سيطرت عليها الإنجليزية ، وفي هذا يقول (كفى العرب شرفاً أنَّهم أقرب الناس انتساباً لرسول الله eوكفاهم فخراً أنَّ لهجتهم أقرب لساناً لكتاب الله وكفاهم تكاثراً أنَّ كل من تكلم بالعربية صار عربياً) غير أن استبعاده للإنجليزية في مناهج مدرسته عُدَّ حاجزاً لطموح طلابه الخريجين في المشاركة الحياتية والوظيفية العامة في بلاد لغتها الأولى هي الإنجليزية وهو ما استدركه تربويون آخرون في البلاد وعلى رأسهم الشيخ الأستاذ كمال الدين الأدبي الذي يُعَدُّ شيخ علماء مدينة ألورن وعلماً من أعلام التربية المعاصرين فيها .
لقد كتب الألوري في السياسة والدين والدولة في الإسلام والتقى بمنظمات إسلامية منها جماعة الأخوان المسلمين في مصر ومرشدها الإمام حسن البنا وظلَّ يردد ذلك في مؤلفاته وسيرته الذاتية، إلا أنَّه لم يؤسس لفكره السياسي الإسلامي الذي كتب عنه وأفاض بنفس القدر الذي كتب فيه عن الثقافة الإسلامية، وأسس لذلك مركزاً تعليمياً عملاقاً تخرج فيه مئات الطلاب وصار أنموذجاً يحتذى به في التعليم والإرشاد والدعوة ، أخيراً كان الألوري جريئاً في نهجه الإصلاحي لا يأبه بالمخاطر في سبيل إيصال رسالته الإرشادية، ونقده لما يخالف الأصول الشرعية من عادات وتقاليد، ومن أمثلة ذلك أبيات له يقول فيها منكراً على بعض عادات وتقاليد قومه وعشيرته :
ليت قومي جهـلوا معنى الحياة ** وأساؤوا فيه حتماً وابتداء
هكذا قد جهلوا التواضع وبنوه ** في سجــود وانـحناء
خلع نعل جعـلوه واجباً لهـم ** مثـل وصـول للفـناء
وانبـطاح عنـد الســـلام ** وبروك لهـم عنـد اللقاء
في مقام الحق أوجبوا السكوت ** وأباحوا الكذب والقول الهراء
وغـروراً والدعـاوى الكاذبة ** صـيروها مذهـباً للعلماء
كل مـن خالفـهم في هـذه ** وصفـوه بالـذي منه براء
وفاته:
انتقل إلى رحمة الله تعالى في سنة 1992م.
ولمزيد من هذا رجاع إلى مكتب وهب فى مصر / محافظة القاهر /ميدان عتبه






ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق